اطلعت على ديوان شعري يحمل عنوان المقالة ورغم أن العنوان كما يبدو ليس مجتذباً من إحدى قصائد الديوان كما جرت العادة في أغلب الدواوين فإنه يحمل فلسفة خاصة تمثل الشاعرة مستورة الأحمدي وحدها!! هذه الشاعرة التي تتعامل مع الشعر كإنسان وجدت فيه الحضن الدافئ فبثته أحاسيسها وما لبثت طويلاً حتى عشقته فزفتها القلوب النقية عروساً للشعر في شرفة الضي لتصدح غروراً: (الشعر لولاي ما كثروا محبينه)!! وأنسنة الشعر عند مستورة سمة بارزة في ديوانها تتأكد مع كل قصيدة فتظهر القصيدة أحياناً كطفلة مدللة تحتضن كراسها الصغير وأحياناً كفتاة فاتنة يسقط اللثام عن حسنها وأحياناً كعروس تزف على دوزنة الأنغام. ولعل هذه الأنسنة التي نقرأها في (غادة الموزون)، و(غزل)، و(طاح اللثام)، و(ليل وجدايل)، و(ملهمة)، و(قصيدة تلفت الأنظار)، و(شرفة الضي) وغيرها من القصائد والأبيات هي الصفة المميزة لإبداع الشاعرة فالعلاقة الإنسانية السامية مع الحروف والكلمات والأشطر والأبيات هي الخلطة السرية في شعر مستورة. وما بين ربان المجد إلى الكأس المكسورة تأخذنا الشاعرة في رحلة وجدانية يتخللها عنفوان المعاناة المقترن بفتوة الشعر التي تتمادى إلى ممارسة آخر الطب على موقد النار الذي لم تستطع حفلة الدموع إخماد جذوته بل ظل يحتطب الضلوع ليطير سرب الدخان من خلال صحوة الميت. إن التراجيديا في شعر مستورة تتكئ في مجملها على الفسيولوجيا حيث تتشكل الأنوثة بالنسبة للشاعرة سوراً ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب، وهذه صورة قاتمة لمجتمع جعل الأنوثة فخره وشعاره، فانتخى بها وعُزي إليها وقدّمها في أزماته ودافع عنها في لزماته وما زال يعتبرها صفحة الجمال الخالدة في حياته.. فكيف تكون الأنثى فيه على ذمة المهابة والحرمان؟!.. فالصورة القاتمة هي الاستثناء ولا أدري لماذا تصر مستورة وأخواتها على هذه النظرة السوداوية من خلال ثقب الباب الاستثنائي؟! فالشعر ليس تمرداً على الجسد بقدر ما هو تصالح مع الروح فهل تكون حالة تعلق اللاوعي بالشعر قد ولدت عقدة إليكترية خاصة لدى هؤلاء الشواعر؟! والمجتمع الذي حفظ حقوق مويضي البرازية وظاهرة الشرارية في حرية التعبير هو نفسه الذي ردد أبيات بخوت والعاتي الصادقة ولم يصادر قصائد المرهوصة وشلشا الصاخبة، كما أنه هو نفسه الذي صوّت ودعم عيدة وريمية ومستورة في مشاركتهن المليونية!! فلم ولن يكبت هذا المجتمع حس الأنثى يوماً بين التاء المربوطة والتاء المقصورة!! (ولن تعذربك الأنوثة أو يحقّرك المقال) في هذا المجتمع يامستورة!! والصورة الشعرية عند مستورة فيها تجليات إبداعية مشرقة ولفتات ذهنية مدهشة نجدها في رمح المصباح وفي حاجة اللسان للفم وفي ذكاة البعد وفي حناء القصيد وثياب السحاب وريق الوله وعيون المرآة ورقص الستائر وقهوة الإحساس وغيرها، كانت السيادة اللغوية في الديوان للقاموس الحجازي البسيط، بينما كان وجود الفواصل التي يزينها خط الشاعرة الجميل أشبه ما يكون بالمداخل النفسية لمجموعات القصائد وتوزيع هذه الفواصل جعلني استلهم خصوصية ليلة المطر والأربع التي تليها، ولو سيطرت الشاعرة قليلاً على أساليب جهيزة الوعظية ونزعة الأنا الشعرية لازداد الديوان بهاء رغم دخان السجائر الجائعة التي لم يكفِها إحراق الضفائر، فخرقت أوراق الديوان!! وسيكون لنا إطلالة على قصائد الشاعرة مستقبلاً بإذن الله.