توفي أبو البنات الأستاذ محمد صادق دياب رحمه الله.. وأسميته هنا بأبو البنات كما عنون آخر مقالا له في صحيفة الشرق الأوسط.. والتي خصصت يومياتها في عددها الصادر يوم السبت 9/4/2011 عن الفقيد.. وأعطتنا صورا متنوعة عن حياته. توفي أبو غنوة - حيث أنعم الله عليه بثلاث بنات- بعد أن ترك رصيداً حافلًا من الإبداع، إذ أشرف على عدة مجلات سعودية من بينها"اقرأ" ومجلة "الجديدة"، كما عمل مديراً لتحرير مجلة سيدتي ومشرفا على الملحق الثقافي الذي تنشره صحيفة "المدينة". وفي آخر حياته أطل علينا من خلال زاويته في "الشرق الأوسط" والتي يتناول فيها أمور المجتمع ومشكلاته وهمومه، وإن كان يعود في مقالاته بين الحين والآخر إلى عشقه الأول والأخير مدينة"جدة"، إذ عرف بحبه وولعه بمدينة"جدة" وعُد من المصادر المهمة لكل راغب في التعرف على تاريخ مدينة"جدة"، وكتب الكثير من المؤلفات عنها من بينها "16 حكاية من الحارة" وتوّجها قبل وفاته بروايته"مقام حجاز" والتي كما يقول المقربون منه صارع الوقت والمرض لإنهائها، وكان خلال غربته للعلاج حريصا على أن ترى النور. من نزاهته وأمانته يكاد يكون هو رئيس التحرير الوحيد الذي يطلب إغلاق مطبوعته التي يرأس تحريرها"مجلة الجديدة" عندما أدرك عدم جدوى استمراريتها. كما يذكر ذلك الأمير فيصل بن سلمان رئيس مجلس ادارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق والتي تنتمي إليها مجلة"الجديدة". الجميل والرائع في حق الفقيد محمد صادق دياب أن نعيه لم يأت من الأوساط الإعلامية والثقافية فقط، بل حتى نعاه وحزن على فراقه الفقراء والمساكين أيضا. وذلك لما له من أيادي بيضاء عليهم، وهم يرونه من الرجال الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ويبدو أن انحيازه - إن جاز التعبير- للفقراء والمساكين لم يقتصر فقط على طرح شخصياتهم من خلال كتاباته.. بل تجاوز الاهتمام بهم من مستوى صحفي وروائي الى واقع عملي ملموس وإغداق العطاء على الفقراء ما استطاع الى ذلك سبيلا. وبذلك يثبت أن المثقف الحق لا يعرف فوقية أو استعلاء.. بل كان باختلاطه ومعايشته للفقراء ولسكان الحارات العتيقة في جدة على مختلف أعمارهم وأفكارهم، مثار استغراب وتعجب ممن حوله!!. آخر مقال قرأته له هو الأخير أيضا وقد عنونه ب"أبو البنات" إذ يحكي فيه عن نفسه وهو أب لثلاث بنات.. ويحكي عن مجتمعنا الذكوري والذي لا ترضيه الا "خلفة" الذكور!! وكيف حسم الأمر مع نفسه على الأقل ولم يفرق بين الجنسين.. ثم يقول بلطف وحنو "وإن بقيت البنات في الوجدان أفضل الكائنات" ويقول كلمة حق ربما يتردد كثير من الرجال في قولها.. وهي أن كثيرا من الأسر تعتمد في معيشتها على بناتها، وأنهن أي البنات أكثر إحساسا وتعاطفا مع الأسرة من الذكور في مجتمعنا. رحمك الله أبا غنوة.. فقد كنت نعم الأب لبناتك .. وقبل ذلك كنت نعم الإنسان.. ** إضاءة: "هل يعاني أبو البنات من أزمة نفسية في ظل ثقافة ذكورية، أول ما يسأل فيها الأب عن اسم مولوده، لتكتمل هويته الشخصية الاجتماعية؟" محمد صادق دياب رحمه الله.