يرى الباحث كمال عبد الملك ، وهو يتحدث في كتابه "أحمد فؤاد نجم: تشخيص أوجاع الأمة العربية"، كما تناولنا بدايته في الأسبوع الماضي بأن شعر نجم هو وريث للزجل أو الأدب الشعبي النابت من جذور الموال المصري والأمثال الشعبية المصرية بالإضافة إلى تجربة الشعر العامي المكتوب أو الشفاهي في الغناء المصري ، فالشاعر نجم مدين لشعراء سابقين ، خاصة، محمود بيرم التونسي كذلك فؤاد حداد وصلاح جاهين وآخرين. وقد ارتكزت تجربة نجم على الأمراض الاجتماعية المزمنة " الفقر المدقع ، الأمية المرتفعة ، والاضطهاد السياسي" (ص:16). فهو يرى ، أي- الباحث، أن شعر نجم "ينظر إليه كقضية مرتبطة بمجتمعه" حيث كانت معظم النصوص التي كتبها أو غناها له الشيخ إمام رد فعل لحدث سياسي أو اجتماعي، وعليه فإن الجهد البحثي تركز في هذا الكتاب على نماذج من القضايا السياسية والاجتماعية. وحين نذكر مسار الكتاب بحثياً فهو يتناول في الفصل الأول: نجم وشعر العامية في مصرخلفية عن الشاعر ومنشأه وحياته وتفاصيل لتورطه في حياة الطلاب والعمال المصريين السياسية. وفيما تعنى هذه المرحلة بما كان من حركة الوعي الوطني المصرية في كسب الاستقلال من بريطانيا كذلك نضال الفلاحين الفقراء نحو تحرير أنفسهم من الاضطهاد السياسي والاجتماعي. وأما في الفصل الثاني : تشخيص أوجاع الأمة المصرية فهو يعنى بأزجال نجم وما الذي يقوله وكيف يقوله. باعتبار أن أزجال نجم من الممكن أن تخدم نوعاً من التمثيل السوسيولوجي للقوى الاجتماعية المختلفة في مصر وعلاقاتها الجدلية. يتبع هذا الفصل أربع جزئيات أو ثنائيات ضدية تتركز على التالي ، أولاً: الغني ضد الفقير أو ما يسميه نجم " مصر العشة ، مصر القصر"، ثانياً: الفلاح ضد الأفندي . ثالثاً : ابن البلد ضد الحكام . رابعاً: ابن البلد ضد الخواجة . وأما في الفصل الثالث: نجم الطبيب المداوي فهو يناقش موقف نجم حيال الطريقين الأساسيين المقترحين لتحرير مصر : - طريق الإسلام مع الإخوان المسلمين والثورة الإسلامية الإيرانية. - طريق العسكرية/ البرجوازية لعبد الناصر والسادات. ويشير إلى أن نجماً اعتبر أن " القوة هي الغاية" عند ثورة العسكر عام 1952 وتحولت حسب نجم "ومضات لفجر زائف" لأنها لم تأخذ على عاتقها تحرير أبناء الريف من أغلال الفقر والأمية وغيرها من الآفات الاجتماعية، وينتقد نجم إذعان الإخوان المسلمين للنظام الطبقي وتشديدهم على التقوى العلنية مقابل اندفاعه غير المحسوب نحو إشادته بالثورة الإسلامية ، وإن كانت لا تمثل ثورة إيجابية، حين أهدى أحد دواوينه إليها، وهو موقف وقع فيه الكثير من المثقفين العرب والأوربيين ثم تراجعوا مثل أدونيس وميشيل فوكو . ولكن يحلل الباحث عبد الملك أن مساندته للثورة الإسلامية في إيران، لعبة استراتيجية في التعبير الأدبي المسيس، ينبني لى قاعدة "عدو عدوي صديقي"، فهو برأيه "يساند الإسلام كوسيلة ضغط ولكن ليس كهدف بعينه" (ص:22). بينما يقر نجم أن الحل برأيه ، وهو ما تحقق في صوره الأولى في مصر وتونس، طريق الثورة الشعبية حيث يوضع لجام القوة في أيدي الفقراء ، هي ثورة شعبية تخلق المجتمع الاجتماعي العادل (ص:22). وأما في الفصل الرابع: من بلاغة الغوغاء إلى بلاغة العنف الثوري، فهو يركز على الجانب الأدبي في تجربة نجم من خلال دراسة الأسلوب والاستعارات التي استخدمها. ويبرز كذلك " التداعيات الغنية لأداء العامية وعمق التفكير في مخيلة العامة"(ص:22). يعتبر الباحث عبد الملك أن استخدام نجم للعامية هو موطن قوة وليس ضعفاً، وأن الطريقة التي يوظف فيها الزجل وهو شكل أدبي شعبي له تاريخ حافل يبرهن بأنه فاعل في تبليغ رسالته الثورية / الاجتماعية، ويرى أن جذور أزجال نجم ، المتصلة بالتقليد الأدبي العامي عبر أشكاله التعبيرية في الموال المصري والأحاجي ( الفوازير)، وأغاني الأطفال، وأغاني الأفراح. في ختام بحثه، وهو عمل أكاديمي جاد ، يرى أن اللافت في أزجال نجم هو تماهيها مع مطالب وآمال القطاعات المختلفة الواسعة في المجتمع مثل الطلاب والعمال والمثقفين. ويخلص إلى تحديد العوامل التي يمكن تفسر أسباب فاعلية وشعبية نجم : 1- أنه شعر بالعامية المصرية مصبوب في قوالب شعرية فولكولورية شعبية مختلفة. 2- أنه شعر احتجاجي مليء بالنقد السياسي والاجتماعي للمجتمع. 3- أنه شجي بدرجة عالية وسهل الحفظ. وما يلفت في هذه الدراسة غفلة أهمية الشيخ إمام وتأثير أغنيات كتبها نجم ولكن كان سبب شهرتها غناء الأول لها بالإضافة إلى أصوات أخرى مثل عزة بلبع ومحمد منير ومحمد الحلو، بالإضافة إلى تحوله إلى مسوق لأعماله والثقافة الشعبية من خلال مقالاته وبرامجه التلفزيونية ( حبايبنا – قناة دريم). كأنما لم يبق من نجم دون الشيخ إمام إلا تراث بلا صدى .