أعلنت الكويت عن طرد ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين، بعدما ثبت تورط أجهزة رسمية إيرانية في عملية خلية تجسس، وقد اتهم وزير الخارجية الكويتي الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ مؤامرة على ارض بلاده. ونقلت صحيفة القبس عن الوزير قوله "لم يبدر من الكويت إلا كل الخير تجاه إيران، ولم نعمل يوماً على الإساءة إلى العلاقات معها، ولكن في المقابل نرى أن الحرس الثوري زرع هذه الخلية لاستهداف الأمن الكويتي." على أن الوزير محقٌ في قوله، كون العلاقات الكويتية - الإيرانية تعتبر الأكثر تقاربا وتميزا مقارنة بعلاقة بقية دول مجلس التعاون بإيران. وكانت البحرين قد سبقت الكويت بانتقادها تدخل طهران في شؤونها الداخلية، فضلا عن دور حزب الله الذي انكشف بجلاء في محاولة زعزعة أمن مملكة البحرين. كما أن بيان لجنة الأمن القومي للشورى الإيراني ضد السعودية وتحذيره إياها من اللعب بالنار في الخليج، جاء ليفضح حقيقة الموقف الإيراني من دول الخليج. مشكلة إيران المزمنة، اللعب على وتر الطائفية المذهبية، وإشعال فتيلها، واتضح ذلك في لبنان والعراق والكويت والبحرين، فالفتنة الطائفية لم تعد خلافات في فروع الدين فحسب ولكنها باتت سلاحا يستخدم لشرخ النسيج المجتمعي، وبالتالي تفتيته وتجزئته وانهياره. على أن المرء المتابع لما يجري في المنطقة لا يحتاج إلى قدرات خارقة أو بلوّرة سحرية لكي يعرف فعلًا من الذي يلعب بالنار في الخليج فإيران من ناحية تريد صرف الأنظار عما يحدث في داخلها من مظاهرات واحتجاجات، ومحاولة تعزيز تواجدها في المنطقة من أجل المراهنة على دور اكبر لها من ناحية أخرى. غير أن الملفت في الرد السعودي أن لغته كانت حازمة وصريحة ومباشرة، فلم يتلبس بالغطاء الدبلوماسي، بل نزع للواقعية السياسية وتسمية الأشياء بأسمائها، فالظرف والمعطيات والحدث تتطلب بالتأكيد توضيحا وردا بذاك المستوى من الأسلوب والصرامة والجدية. وبالرغم من أفعال إيران التي لم تعد تنطلي على أحد، فإن سياسة دول الخليج كانت ولازالت ضد التأزيم، بدليل أنها لم تفتعل أزمات لأنه ليس لها مصلحة في ذلك، بل هي من مدّ يده لإيران، فضلا عن رفضها توجيه أي ضربة عسكرية ومناداتها بالمعالجة السلمية لبرنامج إيران النووي. على أن زرع الخلايا التجسسية هدفه في المقام الأول استهداف دول الخليج، وذلك بقيام عملاء بممارسة نشاطات التجسس والتخريب واصطناع أزمات اقتصادية فضلا عن إثارة الرأي العام بترويج الإشاعات، وترديد الأكاذيب وتزييف الحقائق، وقد يتجاوز كل ذلك ليصل لحد القيام بأعمال إجرامية وإرهابية، لأن الغاية هنا هي إثارة القلاقل وزعزعة الأمن وبث الروح الانهزامية وهز الجبهة الداخلية. إن وجود هذه الخلايا هو تأكيد لفلسفة سياستها الخارجية التي تستند إلى مفهوم التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر حركات وأحزاب وعناصر، والتي تدين لها بالولاء والطاعة إما بسبب المرجعية المذهبية أو المصلحة المادية. كما أن إيجاد الحوزات الشيعية في دول المنطقة، أمر طبيعي تقوم به إيران لترويج التشيّع ، ولذلك فهي تشجع تكاثرها وتدعمها ماليا ومعنويا ، فهي تكرسه ليس من مبدأ ديني وإنما لدعم مخططاتها السياسية، أي بمعنى أنها توظف الشعارات الدينية من اجل أهداف سياسية، فالحوزة في هذه الحالة تحديدا تبقى الغطاء الشرعي لمخططاتها داخل تلك المجتمعات. على أي حال مشكلة إيران المزمنة، اللعب على وتر الطائفية المذهبية، وإشعال فتيلها، واتضح ذلك في لبنان والعراق والكويت والبحرين، فالفتنة الطائفية لم تعد خلافات في فروع الدين فحسب ولكنها باتت سلاحا يستخدم لشرخ النسيج المجتمعي، وبالتالي تفتيته وتجزئته وانهياره. غير أننا نسمع من حين لآخر من مسؤولين إيرانيين عن أهمية التعاون المشترك وقواسم الدين والأخوة والجوار، غير أنها تبقى عبارات إنشائية لا يثمر عنها شيء، وتدخل في باب الاستهلاك الإعلامي، ولذا فالتساؤلات المشروعة التي نرددها دائما ولا نجد لها إجابة،لانفتأ أن نُعيد طرحها هنا: فهل تُرجمت تلك الأقوال إلى أفعال؟ وهل قبلت إيران الحوار مع دول الجوار كالإمارات والبحرين؟ وهل ما يصدر عن طهران من تصريحات استفزازية وتهديدية تجاه الجيران يخدم المنطقة واستقرارها؟ وهل مناوراتها في الخليج لردع الأعداء أم لتهديد دول الضفة الأخرى؟ أليست إيران هي من تدعم حزب الله وفروعه في الدول العربية؟ وماذا يعني إعلان الحكومة البحرينية عن اكتشافها لهذا التنظيم عام 1996 وأنه مرتبط بإيران؟ وماذا تفسر وجود فرع لحزب الله في اليمن الذي أصبح اسمه "حزب الشباب المؤمن" فضلا عن علاقته بجماعة الحوثي، أما في الكويت فما دور "طلائع التغيير" و" منظمة الجهاد الإسلامي" وغيرهما؟ وماذا يعني وجود ما يسمى بحزب الله السعودي في السعودية؟ وفي مصر ألم تُكتشف خلية لحزب الله وكذلك في الأردن ؟ وهل مشروعها التوسعي يهدف لمحاصرة دول الخليج كما حدث العام الماضي باستخدام ورقة الحوثيين ودعم تنظيم القاعدة في اليمن؟ وهل وجود عناصر من تنظيم القاعدة في طهران دليل على رفضها للإرهاب أم العكس؟ الحقيقة أن هنالك شعورا عاما يتبلور في الوقت الحاضر, مصورا إيران بوصفها خطرا جديا على الأمن الإقليمي والدولي. وقد أسهم في ذلك برنامجها النووي, وتصريحات مسؤوليها غير اللائقة تجاه دول الجوار، ناهيك عن تدخلاتها السافرة في شؤون دول المنطقة وعدم اكتراثها للعواقب الوخيمة المترتبة لتدخلها، ما خلق حالة من الاستياء والاستهجان والقلق. ومع ذلك يجب التفرقة بين الشعب الإيراني الذي نحترمه، وبين السياسة الإيرانية الخارجية التي نختلف مع خطها وإن كان من حق إيران أن تبحث عن مصالحها، مثلها مثل أي دولة، لكن ما نشاهده على الأرض أنها تبحث عن مصالحها من خلال الإضرار بأمن واستقرار الدول الأخرى، وهنا يكمن الخلل. في تقديري أن على إيران إبداء حسن النوايا وبناء الثقة والمصارحة مع دول الخليج، فهي بحاجة إلى نقد ذاتي جاد وموضوعي يدفعها لاستيعاب المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وبالتالي تنقذ نفسها والمنطقة من المخاطر المحدقة بها من كل جانب. ومن دون فهم هذه الحقيقة بشكل صحيح وإدراك مضامينها، سيكون من المستحيل التنبؤ بمنطقة آمنة ومستقرة، وسُيدخلها في أتون المواجهة ما قد يؤدي إلى تغييرات لا يمكن التكهن بها، وربما أمام خريطة سياسية جديدة. وهذا ما يدعونا بالتأكيد على أهمية الحوار والتواصل بين إيران ومنظومة دول مجلس التعاون على قاعدة الثقة والشراكة والمصالح المشتركة، لأنه بات ضرورة إستراتيجية وليس خياراً من أجل ضمان استقرار الخليج ومستقبل شعوبه، وإن كانت الكرة لا زالت في الملعب الإيراني.!!