لم تكن القرارات الملكية التاريخية التي أصدرها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مكافأة بقدر ما كانت مبادلة وفاء بوفاء، بعد أن صفع الشعب السعودي الباطل بالحق والخيانة بالولاء، كما وصفت هذا الموقف النبيل كلمة خادم الحرمين الشريفين. وفاء لم يكن مستغرباً من قيادة وقف العالم مذهولاً لمتانة علاقتها بشعبها، تلك العلاقة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، لم تخدشها المتغيرات التي تطرأ بين حين وحين، ولم تزعزعها التقلبات السياسية التي مرت على منطقة ظلت ساحة ساخنة ومسرحاً لكثير من الصراعات الممتدة والمتجددة. في المقابل لم يكن وفاء الشعب السعودي لقيادته طارئاً محكوماً بعلاقة المصالح المتبادلة، بل هو خصلة جُبل عليها ابن الصحراء الذي يبادل من يحبه الحب، ويفي مع من يلمس من الوفاء، فكان أبناء اليوم امتدادا لآباء وأجداد الأمس الذين ارتوت البيد بدمائهم في رحلة توحيد الوطن ولم شتات أهله، تحت راية مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. تاريخ كتبته الدماء الاطهرة التي ما كان لها من مطمع سوى إقامة دولة التوحيد، ليس من السهل أبداً النيل منه أو بتر امتداداته ببضع كلمات تفوه بها ناعق هناك، أو سمع له إمعة هنا. كانت رسالة الشعب السعودي واضحة وبليغة لا تقبل التفسيرات ولا التأويلات، أجمل عباراتها صاغتها الأفعال لا الأقوال، ليفهم العالم أجمع أن هذا الوطن بقيادته وكل أطيافه وتنوعاته ومكوناته نسيج متمازج من يحاول النيل من جزئه كأنما حاول النيل منه كله، وهذا ما لا ولن ينبغي لبشر. من يقلب صفحات التاريخ يدرك تماماً كيف بنيت هذه العلاقة المتينة بين القيادة والشعب، فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - مؤسس هذا الكيان وريث مجد وسليل حكم، لم يكن طارئاً على الصحراء وأهلها، ولم يأت غازياً أو منقلباً أو ثائراً، جاء من عمق هذه الأرض.. عرف الناس صدق نواياه وسمو هدفه فانضووا تحت لوائه. جاء من صحراء قاحلة كانت عصية على من قبله، إن دان منها طرف لأحد عز عليه أطراف، بيد ممتدة لا تمثل مطمعاً لأحد، يسكنها القحط والهجير والزمهرير، والخوف والفوضى. كان هدفه أبعد من أن تدركه الرؤى القاصرة، إلا أن من التفوا حوله أدركوا سموه فعاهدوه وأوفوا، إلى أن دانت لهم أرض شبه الجزيرة العربية، ثم ورّثوا العهد والوفاء لأخلاقهم وأوصوا عليه. فإن كان هذا ابن الصحراء إبان شحّها وخوفها وقحطها، فكيف سيكون بعد أن كشفت له صحراؤه عما أودع الله في بطنها من خيرات وكأنها تعوّضه عما فات آباءه وأجداده من نعيمها. عوداً على بدء، فالقرارات الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين، لم تكن في معظمها وليدة اللحظة، فقد عودنا حفظه الله ومنذ اعتلائه سدة الحكم على مضيه قدماً في درب الإصلاح والتطوير، حتى بات رائد الإصلاح والصلاح، ولن تكون - بإذن الله - الأخيرة، ففي كل مرحلة يفاجئنا هذا الملك الصالح بقفزات تنموية مذهلة جعلت المملكة العربية السعودية محط أنظار وإعجاب العالم بأسره. أسأل الله العلي العظيم أن يحفظ لهذا الوطن قيادته، ويمنّ على أهله بالأمن والأمان والإيمان، ويكفيه شرّ الفتن، إنه سميع مجيب. * رئيس مجلس فرع الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة عفيف