يستفزني كثيراً هذا التعبير الذي يتبعه أحدهم حين يسألك سؤالاً معقداً مثل «أتحب أمك أكثر أم أبيك؟» ويطلب منك بعدها أن تفكر جيداً قبل أن تجيب على السؤال. والاستفزاز ليس سببه إصرار السائل أن تمارس التفكير، لكن السبب هو أن السؤال تصعب الإجابة عليه مهما فكرت! فهو من هذه الأسئلة التي لانحب أن نجيب عليها أو بمعنى أصح هو ليس سؤالاً بل «كمين» فأنت تحب أمك بطريقة وتحب أباك بطريقة أخرى وطريقة تعبيرك عن هذا الحب قد تختلف. لذلك فقد يصنف سؤالي التالي ضمن الأسئلة المستفزة، لذلك سأطالب القارئ بأن يفكر جيداً قبل أن يجيب على هذا السؤال، وهو سؤال قديم مكرر لكنني سأسأله: «هل أنت سعيد؟». لا أعرف لماذا خطر على بالي هذا السؤال وأنا وجماعة من الزميلات نضحك «على خيبتنا» كما يقولون في يوم عمل مليء بالشد والجذب في محاولة للترويج عن النفس، وإحداهن تطل علينا متسائلة: «ما شاء الله عليكم تضحكون؟»، وكأن الضحك صعب أو ممنوع أو غير مرغوب رغم أنه ظاهرة صحية تقضي على الكآبة أو تزيل بعض التوتر. ولا أعرف لماذا ترتبط السعادة لدى البعض بحالة من الندم وكأن الشخص يندم لأنه سعيد أو كأن السعادة خطأ اجتماعي غير مقبول. حتى عندما نتحدث عن أحدهم تجدنا نتهمه بأنه «مبسوط، مخفوف ما عنده إلا الضحك، فاضي» وكأن السعادة أو الانبساط علامة على قلة العقل والرزانة. وخطر على بالي هذا السؤال وأنا أتحدث مع إحداهن المحملة بالرغبة في الرحيل عن كل ما يغمر حياتها إلى مكان يحمل شيئاً من الهدوء إلى حيث تجد نفسها أو ما افتقدته من هذه النفس. زميلتي هذه تعيش في الآخرين فهي مشغولة بمن حولها بكل مشاكلهم أفكارهم أخبارهم أحزانهم، تجدها حين تحتاج لكتف تبكي عليه، وتجدها حين تحتاج يداً تمسك بها وتجدها حين تلتفت يميناً بحثاً عن سند وحين تلتفت يساراً بحثاً عن من يسمع آخر نكتة أو آخر مشكلة، هي هنا دائماً، ولأنها هنا حيث الآخرين فإنها تغفل عن نفسها كثيراً، يمكننا أن نقول إنها تهرب من ضجيجها الداخلي إلى حياة الآخرين بكل ما فيها من ضحك أو دموع. أتصدقون ضاعت مني الفكرة، أعتقد أنها فكرة مشوشة جداً مثل هذا السؤال الفلسفي الذي سألته. أعتقد أن البعض منا لديه مفهوم مقولب للسعادة، فهو يعتقد أن السعادة تأتي من الآخرين، فهو يحتاج لقرب الأصدقاء والتصاق الأقرباء والتواصل الاجتماعي وهذا قد يفقدهم فرصاً كثيرة لمعرفة جوانب أو صور مختلفة للسعادة. والبعض الآخر يرى في السعادة انتقاصاً. لكن في النهاية الكل يريد أن يكون سعيداً.