في خطابه يوم الجمعة الماضي عبّر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عن حبه لأبناء شعبه الكريم وثقته اللامحدودة بهم حيث عكست نبرة الخطاب انفتاحا واضحا لخادم الحرمين نحو الشعب السعودي، وخطابا مباشرا دون مقدمات كبيرة ، هذا الإعلان الأبوي نحو الشعب السعودي يماثله حب كبير من الشعب السعودي لهذا الملك الإنسان ، فلقد اثبت السعوديون للعالم أن ولاءهم للوطن وقيادته أكثر من كونها شعارا إعلاميا. لقد تحرك الشعب السعودي لحفظ وطنه ولم يستجب لمخططات كانت تدعوه إلى النزول إلى الشوارع من اجل التظاهر وإثارة الفوضى، وبقي هذا السؤال محيرا للمتابعين وللراغبين في جرّ الشعب السعودي إلى الشارع للتظاهر لماذا لم يخرج السعوديون إلى الشارع للتظاهر..؟ من الواضح أن قراءة الشعب السعودي وفهمه لا يمكن أن يتما بعيدا عن ثلاثة عناصر أساسية هي طبيعته الدينية، ثم طبيعته الاجتماعية ثم علاقته التاريخية مع قيادته السياسية الممزوجة بمشترك أصيل بينهما ألا وهو الوطن الذي يعيش فيه الجميع ويضم بين جنباته الكثير من المقومات من أهمها وجود الحرمين الشريفين. كان خطاب خادم الحرمين الشريفين استكمالا لمشروعه الإصلاحي فقد كان للشعب ومن اجل الشعب فقط فالأوامر الملكية كان فيها للاقتصاد حقه وكان للإصلاح حقه وللعلم حقه وللعلماء حقهم وللمثقفين والمفكرين والطلاب والجميع دون استثناء الشعب السعودي كما يبدو في علاقته العميقة مع مكونات وجوده (الدين الوطن القيادة المجتمع) اثبت بما لا يدع مجالا للشك سياسيا واجتماعيا انه يستحيل اختراقه وفصله عن قيادته عن طريق التحريض والإثارة، فخلال الأيام الماضية كانت هناك محاولات عبر تجمعات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي لحث المجتمع السعودي على التظاهر، ولكن هذه المحاولة لم تنجح مع العلم أن أيا من مواقع التواصل الاجتماعي لم يغلق أمام الفرد السعودي ، بل إن معظم أفراد المجتمع إن لم يكن كلهم شاهد واطلع على الصفحات الداعية إلى الخروج للتظاهر ومع ذلك لم يستجب مما شكّل صدمة مربكة لمخططي تلك الحملات. حاول منظمو الحملات الداعية إلى التظاهر تمرير شائعاتهم في المجتمع بهدف نشر الفوضى والتظاهر ولكن المجتمع السعودي وبدلا من أن ينساق خلف هذا الفتنة فقد فعل العكس لقد كان شغل المجتمع الشاغل هو إيصال رسالتهم إلى قيادتهم أولا والى كل العالم بأنهم مختلفون عمن سواهم فقد اتضح أن الشعب السعودي حصان راهنت عليه قيادته فكسبت الرهان لكونها تعرف المجتمع وهو يعرفها في هذه المرحلة التاريخية للوطن. الذين لا يعرفون مكونات المجتمع السعودي الدقيقة وآليات تناغمه وتمازجه مع قيادته وكيفية تركيبته المجتمعية يخطئون في تقديراتهم عند حديثهم عن المجتمع السعودي، الشعب السعودي يكاد يكون الشعب الوحيد بلا منازع الذي يستطيع التخاطب بشكل رأسي وأفقي مع قيادته بكل بساطة وسهولة ويستطيع الوصول إلى كل فرد مسؤول في مجتمعه بغض النظر عن موقع هذا المسؤول ، لأن طبيعة المجتمع السعودي وتركيبته الاجتماعية لا تسمحان بظهور مسافات تفصل أعلى المجتمع عن قاعه. الأسرة الحاكمة في السعودية كما يقول تاريخها ومنذ دولتها الأولى وحتى هذا اليوم تراكمت لديها خبرات سياسية واجتماعية كبيرة ساهمت في علاقات متشابكة داخل المجتمع السعودي يصعب فهمها لمن هم يعيشون خارج المجتمع السعودي لذلك لم تعزل الأسرة الحاكمة نفسها عن المجتمع بل عملت دائما على أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الشعب. في خطاب خادم الحرمين الجمعة الماضية لم يكن هناك تصنع سياسي ولا تمرير لرسائل مطلوبة فمن متابعة ذلك الخطاب يتضح انه بدأ بردة فعل أبوية صادقة عكستها ملامح خادم الحرمين وهو يقرأ خطابه عندما قال حفظه الله لشعبه (أنا فخور بكم) ثم يوجه خطابه شاكرا لجميع أفراد مجتمعه علماء ، مثقفين ، كتاب ، مواطنين ، رجال القوات المسلحة ثم يختتم برسالة إيمانية غاية في البساطة يستخدمها كل فرد في الشارع السعودي في إشارة إلى تناغم الثقافة المجتمعية بين الحاكم والمحكوم وذلك عندما قال حفظه الله (لا تنسوني من دعاكم) هذا الخطاب كما يبدو يمنح الآخرين فرصة كبيرة لمعرفة الكيفية التي تقوم بها العلاقة اليوم بين السياسي والاجتماعي. هذه الصفات التي يمكن قراءتها في خطاب خادم الحرمين ساهمت وبشكل كبير في ذلك التمازج بين القيادة وشعبها فليس هناك خط فاصل سوى خط المسؤولية وهذه المسؤولية لم تكن يوما من الأيام حكرا على أحد في المجتمع السعودي فكل من يثبت كفاءته من هذا الشعب يصعد وبسرعة إلى مراكز قيادية فلم تكن هذه الدولة ومؤسساتها يوما من الأيام حكرا على احد فكل أبناء هذا الوطن المخلصين وجدوا الفرصة في مساحات خدمة الوطن مهما كانت خلفياتهم وأعراقهم ومرجعياتهم. اللحمة الوطنية في المجتمع السعودي طغت على مفهوم المواطنة التقليدي المرتبط بمفاهيم وقوانين محدودة ، ففي قراءة اجتماعية لهذا الموقف يظهر جليا أن تجاوز المجتمع السعودي لكل ما هو مكتوب من قوانين المواطنة وحدودها المعروفة إلى بعد جديد في هذا المفهوم يستحيل أن تجده في كثير من الشعوب انه بُعد اللحمة الوطنية القادم من عاطفة الحب والإخلاص وليس من غريزة الخوف من الغير أو الرغبة في المصالح الذاتية. في خطاب خادم الحرمين الشريفين الجمعة الماضية تحدث حفظه الله مع الشعب السعودي باللغة التي يعرفها هو وإخوانه وعبر عنها أجداده، لغة العلاقة التي تخطت المصالح الذاتية إلى غريزة الحب المتبادل التي يعرفها هذا الشعب ، إنها لغة يصعب فهمها ولكنه من السهل إثبات فاعليتها فخلال عقود وقرون مضت مر هذا المجتمع بالكثير من الأزمات والمواقف التي خرج منها بأيد متماسكة فلم يكن هناك يد تعلو على الأخرى أو تجبرها ، فعلى سبيل المثال تجاوز المجتمع السعودي أزمة حرب الخليج وخرج الجميع القيادة والشعب متماسكي الأيدي يحملون الوطن فقط. المجتمع السعودي اليوم يعيد نفس المشهد ولكن برد سياسي مؤلم للآخرين الذين حاولوا النيل من المجتمع السعودي ولكنهم فشلوا ولله الحمد ، ومع ذلك فقد يكررون التجربة في محاولاتهم اليائسة لاختراق هذا الوطن وهذا يحتم علينا بذل المزيد من الجهود لتحصين مجتمعنا سياسيا واجتماعيا وتنمويا عاما بعد عام وعقدا بعد عقد فالمجتمع السعودي وعبر التاريخ اثبت أنه وطن حقيقي مكون من شعب وقيادة لا يمكن أن تعرف كيف تفصل بينهما فالجميع قيادة وشعبا ممتزج بلحمة وطنية يصعب تفسيرها من الغرباء، أما الذين يعرفون المجتمع السعودي فيدركون تلك اللحمة الوطنية الصادقة بين المجتمع وقيادته وكيفية عملها. لقد كان خطاب خادم الحرمين الشريفين استكمالا لمشروعه الإصلاحي فقد كان للشعب ومن اجل الشعب فقط فالأوامر الملكية كان فيها للاقتصاد حقه وكان للإصلاح حقه وللعلم حقه وللعلماء حقهم وللمثقفين والمفكرين والطلاب والجميع دون استثناء ، هذا الخطاب الذي تبعه أكثر من عشرين أمرا ملكيا هو مشروع سياسي مكتمل نتمنى أن يرى كل فرد في هذا المجتمع نتائجه سريعا بمساعدة جميع الأفراد في المجتمع وتحملهم مسؤولية تحويل هذا المشروع الإصلاحي إلى واقع فخادم الحرمين حفظه الله وضع المسؤولية في أيدي المواطنين لتنفيذ قراراته..