يمكن اعتبار الحرمان من النوم وهو مشكلة شائعة جدا في مجتمعنا بسبب السهر الذي ينتج عنه حرمان الجسم من النوم الذي يحتاجه مرضا، أو عادة سيئة تضر بالصحة لا تقل سوءا عن حرمان الجسم من الطعام الصحي، لأن النوم عملية فيزيولوجية تحتاجها جميع الكائنات الحية بصورة يومية حتى تتمكن خلايا وأعضاء الجسم من أداء مهامها بصورة طبيعية، حيث ان كل أعضاء وخلايا الجسم تمر بإيقاع يومي تنظمه الساعة البيولوجية ويحتاج خلاله الجسم أن يمر بالنوم كحاجته لأن يمر باليقظة. وإن كان الطب الحديث قد نبهنا إلى الأهمية الكبيرة للنوم، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد نبهنا قبل ذلك بكثير إلى أهمية النوم للجسد في أكثر من حديث منها حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه في صحيح البخاري حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينصح عبدالله رضي الله عنه حيث كان مما قال له " وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"، منبها صلى الله عليه وسلم إلى أهمية النوم لصحة الجسد. والعلم الحديث بين لنا أن للحرمان من النوم مضار كثيرة تعرضنا لبعضها في عيادات سابقة ولكن ما أثار الموضوع اليوم هو دراستان حديثتان نشرتا هذا الشهر (فبراير 2011) وأظهرتا مضار جديدة للحرمان من النوم حيث أظهرت الدراسة الأولى ارتباطا بسرطان القولون والثانية بجلطات القلب والدماغ. الدراسة الأولى نشرت في مجلة كانسر (Feb. 15, 2011 issue of the journal Cancer) وأجريت الدراسة على 1240 متطوعا تبين بعض عمل المنظار أن 338 منهم مصابون بأورام غدية في المستقيم والقولون وهي أورام تسبق ظهور سرطان القولون. وبعد التحكم في جميع المؤثرات التي تزيد من احتمال الإصابة بسرطان القولون مثل التدخين والسمنة والتاريخ العائلي المرضي، وجد الباحثون أن نقص عدد ساعات النوم بسبب حرمان الشخص نفسه من النوم وبالذات النوم أقل من 6 ساعات يوميا كان أحد العوامل التي تنبئ بظهور الأورام حيث ان العلاقة بين نقص مدة النوم والأورام كانت كبيرة إحصائيا. وقد كانت العلاقة أقوى عند السيدات. وتعتبر هذه أول دراسة علمية تظهر هذه العلاقة. ولا يعرف حتى الآلية خلف هذه العلاقة بين قلة ساعات النوم وظهور أورام القولون. أما الدراسة الثانية فقد نشرت في مجلة القلب الأوروبية (Eur Heart J. 2011 Feb 7)، حيث تابع الباحثون أكثر من 470 ألف شخص من ثماني دول لفترات تراوحت بين 7-25 سنة. وقد وجد الباحثون أن الذين ناموا أقل من 6 ساعات يوميا كانت احتمالات الإصابة بجلطات القلب عندهم أكثر ب 48% وجلطات الدماغ أكثر ب 15% من الذين ناموا من 7-8 ساعات. كما أن احتمال الجلطات كان أكثر عند الذين ناموا أكثر من تسع ساعات يوميا. لذا يرى الباحثون أن 7-8 ساعات هي المدة المناسبة عند أكثر الأشخاص. ونحن حين نعرض هذه الدراسات فإننا نهدف إلى تنبيه القارئ بأهمية الحصول على نوم كاف وذلك بالنوم مبكرا والاستيقاظ مبكرا والانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ. وبقيت نقطة مهمة أود التنبيه عليها في نهاية هذا المقال، وهي أن نتائج الأبحاث السابقة لا تنطبق على من تحتاج أجسامهم ساعات نوم أقل، فهناك أشخاص يحتاجون ساعات نوم أقل من غيرهم ويمكننا الاستدلال على ذلك بأن هؤلاء الأشخاص يستيقظون صباحا في مواعيدهم وبدون استخدام ساعة المنبه كما أنهم يشعرون بالنشاط والحيوية طوال اليوم. من نود تنبيههم، هم الفئة التي تسهر كثيرا ولا تعطي أجسامها ما تحتاجه من نوم وتعاني نهارا من التعب والإنهاك بسبب قلة النوم.