نؤمن بأن لاسلطة فوق سلطة الدولة ، والقانون ، والمؤسسات التي تنظم علاقات أفراد المجتمع ببعضه ، ونؤمن أن من يتجاوز ، أو يتجاهل ، أو يتعدى على المبادئ العامة ، والأعراف المنظمة للمجتمع ، ويقفز فوق القانون بسلطة ذاتية مغلفة بغلافِ مفهوم من المفاهيم الدينية التي يلبسها البعض دون وعي ، وتأصيل شرعي ، واستدلال جماعي ، فإن ذلك يعتبر تعدياً على كرامات الآخرين ، وحقوقهم الشخصية ، وامتهاناً لحرياتهم في الاختيار ، والتفكير ، وممارسة التحصيل الثقافي والمعرفي من خلال منابعه والمفكرين الرائعين من منتجيه ، إلى جانب أن هذا السلوك يعتبر تحدياً صارخاً لأمن الفرد ، وواجبات ومسؤوليات الأجهزة الأمنية ، والبدهي أن من تعاطى هذا التجاوز مهما كانت مبرراته ومسوغاته وأهدافه - وهي بالتأكيد أهداف جاهلة - يجب أن يخضع للمساءلة والمحاسبة والعقاب ، وأن يعرف أن للفرد حدوداً ، وأن للأمن الاجتماعي خطوطاً حمراء لايُسمح بتجاوزها في مطلق الأحوال ، ولا العبث بها أو الاقتراب من دائرة محاذيرها.. وإذا كانت بعض القناعات والمفاهيم الانغلاقية ستقودنا إلى خلل في تماسك النسيج الوطني فليكن مفهوماً بأن لا أحد يسمح بترك هؤلاء يمارسون عبثهم ، وفوضاهم ، ولنقل « بلطجيتهم « ووصايتهم على مناشط المجتمع الفكرية ، والثقافية ، والمعرفية ، وأنماط التحديث ، والتنوير ، وفتح أنهر منتج العقل البشري في كافة المضامين ، والفروع لنلتقي معها ، ونتأثر بها ، ونؤثر فيها . ماحدث في معرض الكتاب قبل أيام من اجتياح ، وترويع ، وتخويف ، وامتهان للكرامات ، ورفع الصوت والأصابع بالتهديد والوعيد ، والويل والثبور وعظائم الأمور ما هي إلا سلوك جاهل ، لايضع لأمن الوطن قيمة ، ولا يحترم عقول الآخرين وحرياتهم وخياراتهم في التكوين المعرفي ، والتأسيس الثقافي ، وهو مظهر - كما شاهدناه - متخلف إن في المظهر وإن في السلوك وإن في الممارسة ، ويبتعد كثيرا عن التوجيه الرباني الذي هو إيماننا وهدينا ونبراسنا ، وليس بهذا السلوك يقام الحوار والفهم والوصول إلى قواسم مشتركة في التفسير ، وإخضاع الأمور لمنطق العقل ، والوعي . ويؤسس لرغبة واعية في تسييج أمن المجتمع الفكري ، والحياتي ، ويهدف إلى تقاربٍ في تصنيف ما هو خطر على مسار المجتمع الفكري ، وما هو بحاجة للمراجعة ، والنقد ، والدراسة المتأنية البعيدة عن الخلط بين المقدس والسياسي . مثلاً .. مثلاً ، ونحصر ، ولانرغب في التوسع بالاستدلالات . تاريخنا الإسلامي بدءاً من اجتماع سقيفة بني ساعدة ، ومروراً بالفتنة التى أرهقت الأمة الإسلامية حتى اليوم ، ومقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، يحتاج هذا التاريخ إلى قراءة نقدية متجردة وعقلانية ومنهجية ، تخضع لأدوات البحث العلمي ، وتقارب الأحداث والوقائع من خلال أنها أحداث ووقائع فقط يصنعها فكر البشر ، ورغباتهم ، وطموحاتهم ، وفضح الخلل الذي حدث بعيداً عن تصنيف التاريخ الإسلامي في خانة المقدس ، وأنه من المحذور تناوله ، ونقده ، وتشريح الأخطاء في بعض مفاصله . هذا المفهوم يلغي حصارنا ، وخطوطنا الحمر التي وُضعت على كتاب قيم ومفيد هو « الفتنة الكبرى « لطه حسين ، وغيره كثير . نخلص إلى أن « البلطجة « مرفوضة ، والوصاية وفرض الرأي بالقوة ، والترهيب لايمكن أن تكون ممارسة عاقلة.. مفهوم ، نقول هل هذا مفهوم ..؟