هل حان الوقت لرحيل أمريكا من العراق؟ هذا السؤال ليس سؤالاً بلاغياً في حقيقته يهدف الى مجرد التأثير على النفوس فقط دون الحصول على اجابة شافية له ولكنه سؤال يخاطب بعمق مفهومنا الشخصي عمن نكون نحن؟، وكيف نرغب في ان ينظر الينا الآخرون من النواحي العسكرية والدبلوماسية والسياسية والاخلاقية؟. وقد كتبت مؤخراً غير موافق على وجهات نظر يارون بروك رئيس معهد ايان راند والذي كان يعتقد ان مشكلة أمريكا في العراق حساسة جداً لاقل شيء مناف للأخلاق أي الجبن المعنوي الذي يمنعنا من تعقب العناصر المسلحة المتمردة والعراقيين الآخرين بما فيهم عوائل واقرباء اولئك العناصر المسلحة الذين يوفرون لهم المأوى الآمن. وقد احتوت جملة واحدة من ذلك المقال شيئاً من افكاري وهي انه حتى الذين اعتقدوا منا بأن الرئيس بوش ارتكب خطأ اخلاقياً وعسكرياً كبيراً بشن تلك الحرب على العراق يشعرون الآن بتعاطف كبير تجاه الطريقة التي يدير بها الامور في اعقاب تلك الحرب ليست فقط لأنها كانت تمثل نجاحاً ولكن بسبب عدم مقدرتنا في التفكير في أي شيء افضل من ذلك. وحسناً فإن هنالك بعض الناس من الذين يراقبون تخبط وفشل سياستنا تجاه العراق يعتقدون بأن افضل خيار يتمثل في الرحيل من ذلك البلد. وكانت اكثر وجهات النظر وضوحاً في هذا الصدد ما كتبته نعومي كلين في مقال لها بمجلة نيشن في عدد العاشر من يناير فقد اقرت كلين بأننا غيرنا من وضع العراق ولكنها تجادل بأن استمرار وجودنا هناك يجعل فقط الامور تزداد سوءاً وترى بأنه لا يتعين علينا التحكم في البلاد وممارسة التصرف فيه بحرية وحسب الاهواء. وان الرحيل عنه افضل طريقة امامنا. ولكن لماذا لا يكون هذا الرحيل الآن؟ من الناحية السياسية فإن هذا الامر يتطلب تنازلاً او قل اعترافاً بأن الامر برمته كان خطأ منذ البداية، ويبدو ان الرئيس بوش غير قادر على التوصل الى او تصور مثل هذا الاستنتاج ما لم يتم اجباره على ذلك من قبل سخط شعبي عارم يعيد الى الذاكرة حقبة حرب فيتنام ويقلص من المقدرة على جذب الشباب للانخراط في الخدمة العسكرية فقد لقي اكثر من الف وثلاثمائة جندي أمريكي مصرعهم في هذه الحرب، ولكن كيف سيكون امر الرحيل من العراق بالنسبة لذوي الجنود الأمريكيين القتلى ولمعنويات القوات المسلحة الأمريكية؟. وماذا يمكننا ان نقول للبريطانيين والاستراليين وغيرهم في التحالف الذين عانوا من اضرار سياسية وفقدوا ارواحاً في دعمهم وتأييدهم لحربنا؟ وكيف سينظر الاصدقاء او حتى الاعداء مرة اخرى بجدية الى الالتزام الأمريكي؟ بل انه حتى (إسرائيل) ربما تبدأ في التشكك في الاعتماد علينا. (!!) وماذا سيكون الحال بالنسبة للاعتبارات الاخلاقية؟ حيث ان خروجنا من العراق باعلان الانتصار او بدون ذلك سيكون حكماً بالاعدام على اولئك العراقيين الذين عملوا معنا لتعزيز مهمتنا المعلنة بنقل الديمقراطية للعراق. ويمكننا المجادلة كل اليوم بأن صدام حسين كان حاكماً متسلطاً وطاغية وان هزيمته واهانته ينبغي ان لا تستدر أي تعاطف منا ولكن كان لديه بلد عامل حيث كانت هنالك حكومة والناس يذهبون الى العمل والى الاسواق والمدارس في امن وسلامة نسبية، وهل يمكن لأي شخص ان يعتقد ان الفوضى التي احدثتها الولاياتالمتحدة قد تركت الشعب العراقي افضل حالاً؟. فقد دمرنا العراق فهل سيكون لدينا حق أخلاقي في مغادرته وترك ذلك الدمار منتشراً في كل مكان؟. والآن هل يمكن لكل هذه الاجابات والجدل ان تقلل من دعوة الرحيل والتغاضي عن تبعات ذلك؟. ولا تعتقد نعومي كلين ذلك فهي تجادل بقولها ان استمرار تواجدنا في العراق يعتبر بمثابة مغناطيس جاذب للعنف ضد العراقيين وانه يبدو ان خططنا للانتخابات محسوبة بتروّ لاشعال حرب اهلية لايجاد مبرر لاستمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق، غير ان استمرار تواجدنا في العراق لن يعمل على اصلاح ما دمرناه في العراق وانما سيؤدي الى ديمومة هذا الدمار. والآن وبعد كل هذا السرد نقول مرة اخرى هل حان وقت الرحيل من العراق؟. ويعتقد عدد كبير من قراء هذا العامود وعلى نحو مثير للدهشة بأن الوقت قد حان فعلاً للرحيل من العراق بل وان البعض منهم يرى انه يتعين القيام به الآن وليس غداً كما ان آخرين يرون بأنه ينبغي سحب كل القوات الأمريكية او جزءاً كبيراً منها وارسالها الى المناطق المتضررة من زلزال المحيط الهندي وامواج المد العاتية التي ضربت المنطقة في الآونة الاخيرة واحدثت خسائر بشرية ومادية فادحة. ولعل الرحيل من العراق والتوجه الى منطقة الزلزال المحيطي المدمر والتي يقطنها في معظمها مسلمون تدحض المفهوم السائد بأننا ضد الاسلام ومناوئون له. «واشنطن بوست»