من الإعجاز الكوني أن الله سبحانه وتعالى أخرج من عُبَّاد الأصنام من كفار قريش وغيرهم رجالاً ونساءً صدقوا ما عاهدوا الله عليه وصاروا بهداية الله لهم واقتدائهم بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وتفاعل عقولهم مع الايمان بالله رباً والايمان به إلهاً والايمان به وحده خالق كل شيء ومليكه ومدبره والمتصرف فيه .. صاروا قمة في الايمان بالله وفي اعتقاد أنه هو المستحق وحده للعبادة والتعظيم، وأن من دونه هم خلق من خلقه محتاجون إليه ليس لهم طوْل ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن الله. وأن الأمر بيد الله وحده هو المانع المعطي النافع الضار الحي الذي لا يموت لو اجتمع من في الأرض على أن ينفعوا من لم يرد الله نفعه لم يقدروا على نفعه، ولو اجتمعوا على أن يضروا من لم يرد الله مضرته لم يستطيعوا مضرته. آمنوا رضي الله عنهم إيماناً كالجبال ثباتاً وكالمرآة صفاءً، واقتدى بهم التابعون لهم بإحسان وكان من صور هذا الاعتقاد الراسخ وهذا الايمان الثابت ما يلي: 1- يروى بسند صحيح أن المسؤول من بني عبدالدار عن سدانة الكعبة أتى عائشة رضي الله عنها وذكر لها أن الكعبة صنع لها كسوة جديدة وقال ماذا نفعل بالكسوة القديمة؟ قالت له قطعوها ووزعوها على النساء الفقيرات ليخطنها ملابس لهن. قال يا أمي تعرفين ما ينتاب النساء من الحيض وهذا القماش كان كسوة على الكعبة. فقالت يا بُني هذا قماش مثله مثل الأقمشة الأخرى ولا يرفع قدره أنه كان لباساً على الكعبة. 2- ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يطوف واستلم الحجر الأسود وقال والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. 3- ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه في احدى حجاته كان في طريقه إلى مكة ماراً بالحديبية فأقام فيها بعض الوقت ورأى الناس يذهبون إلى شجرة فسأل عنهم وعن الشجرة فقيل له إنهم يذهبون إلى شجرة بيعة الرضوان فأمر بقطعها خشية أن تتخذ مزاراً ومعبداً. 4- في زمن نكبة الدرعية على يد إبراهيم باشا فرَّ كثير من أهل الدرعية من وجهاء وعلماء وأمراء وكان ممن فرَّ منها واتجه إلى عُمان رجل من أهل العلم والصلاح ومعه أخته وهي كذلك ذات علم وصلاح فأرادا دخول مدينة مسقط فقال لهما حارس بوابة مسقط لا يسمح لكما بالدخول حتى تقدما للوليّ صاحب هذا المقام قرباناً ليسمح لكما فقال الرجل لا نقرب له إلا ترابا. فقالت له أخته لا نقرب له ولا تراباً. ألا تتذكر يا أخي حديث طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب. قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال مر رجلان على صنم فقيل لأحدهما قرّب لهذا الصنم قال ما عندي شيء أقرب قالوا قرب ولو ذباباً فقرّبه فدخل النار وقالوا للآخر قرب قال ما كنت لأقرب لأحد دون الله شيئاً فضربوا عنقه فدخل الجنة. ثم قالت يا أخي التراب أنفس من الذباب. فلن نقرب له تراباً ولا ذباباً. 5- يروي لي أحد الإخوان أنه ذهب بأمه إلى المدينةالمنورة وكانت من عجائز نجد المشهورات بالتقى والصلاح وسلامة الاعتقاد فقال لها ولدها هل يمكننا أن نزور المساجد السبعة فقالت لا مانع من ذلك فذهب بها ومعهما دليل يرشدهما إلى مواقع المساجد وأسمائها. وحينما دخلوا مسجد القبلتين قال الدليل: يا خالتي صلي في هذا المحراب المتجه إلى القدس فالقدس هي القبلة الأولى فقالت له اخسأ أيها الجاهل فليس لنا قبلة غير الكعبة ثم قالت لولدها اطردْ هذا الدليل فهو دليل ضلال. فقال لها الدليل يا خالة اتركيني هذه المرة. ثم دخلوا مسجداً آخر وبعد أن صلت في هذا المسجد قال لها الدليل هل تسمحين يا خالة أن أدعو وتدعين معي قالت أدعُ فقال قولي يا خالة اللهم إن أستودعك أمانتي في هذا المسجد المبارك. فقالت: الجاهل ما يجيك منه إلا جهل وضلال وأسندت القول إلى ولدها فقالت: حنا ما جينا للمدينة نبي نرم أماناتنا في سيسان المدينة، أماناتنا معنا إلى أن يأخذ الله أماناتنا عنده. هذا الدليل يبي له دليل اطرده ما والله يمشي معنا. هذه صورة شفّافة للايمان بالله رباً لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في كمال ذاته وصفاته. فرحم الله سلفنا الصالح وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إن في هذه الصور لذكرى لمن كان له قلب، وإن في الاقتداء والاهتداء بمنبعثاتها لسبيلًا إلى قوة الايمان وصدق التوحيد وسلامة الاعتقاد والطمع في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد سأله أبوهريرة رضي الله عنه عن أسعد الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم فقال: اسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.. والله المستعان..