لا يخفى على المسلم أن حكمة الله في خلقه الإنسان عبادته وأن خلقه يختلف عن سبب خلق مجموعة من مخلوقات الله فهو خليفة في أرض الله ومخلوق مفضل على كثير ممن خلق الله ،خلقه الله لعبادته فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كرّمه الله على كثير ممن خلق وفضله ومن عناية الله بالإنسان أن منحه عقلاً يتميز به عن مجموعة من مخلوقات الله يتميز به الحق من الباطل والخير من الشر والصراط المستقيم من الطرق المعوجة. وكان من كرامة الإنسان عند ربه أن أرسل إليه الرسل يذكرونه بما يهديه إليه عقله ويبلغونه رسالات ربه لتتحقق منه حكمة وجوده قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوث) وكان آخر رسل الله رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. فبلغ رسالة ربه وجعل الأمة على محجة بيضاء ليلها كنهارها. فاهتدى على يديه أصحابه وتابعوهم ومت تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فكانوا على أعلى مقام من قوة الإيمان ومن صفاء العقيدة ومن الأمثلة على صفاء العقيدة عندهم ما يلي: 1- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف فمر في طوافه بالحجر الأسود واستلمه ثم قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. فهذا إيمان كامل بأن الله وحده لا شريك له هو النافع الضار المانع المعطى وأنه خالق كل شيء ومليكه لا رب سواه ولا معبود بحق غيره وأن النفع من غيره مفقود وأن طلب النفع من غير الله كمن يمد يديه لطلب الماء من بئر غائر ماؤها. 2- حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ونزل بالحديبية وفيها شجرة بيعة الرضوان. ورأى الناس يذهبون إلى جهة معينة فسأل عن ذلك فقيل له إنهم يذهبون إلى شجرة بيعة الرضوان فأمر رضي الله عنه بقطعها خشية أن تتخذ مزاراً ووثناً فقطعت. 3- جاء أحد سدنة الكعبة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال يا أمه - يناديها بأمومتها له ولسائر المسلمين - ماذا نفعل بكسوة الكعبة الخلقة بعد أن خلعناها وكسونا الكعبة بكسوة جديدة قالت: قطعها ووزعها على المستحقات من نساء المؤمنين. قال إنهن يعتريهن ما يجب صيانة كسوة بيت الله من ذلك. ويعنى بذلك الحيض. فقالت إن هذا القماش لا يختلف عن الأقمشة الأخرى المباحة لهن وليس لهذا القماش - كسوة الكعبة القديمة - مزيد فضل ولا تخصيص بعد أن استغني عنه. فهذا من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها توجيه عملي على أن التعلق بالآثار لطلب البركة أو النفع أو دفع البلاء والضرر والتعلق بذلك منافٍ لتحقيق التوحيد وكماله. 4- في وقت نكبة الدرعية على يد الطاغية إبراهيم باشا عام 1233 فرَّ من الدرعية مجموعة من علمائها ووجهائها ممن نجوا من بطشه وطغيانه وكان ممن فرّ منها رجل وأخته اتجها إلى عُمان فلما وصلا إلى مسقط وأرادا دخولها وكانت مسورة ومحفوظة بأبوابها فأرادا الدخول من أحد الأبواب فمنعهما بواب الباب حتى يقدما لولي هذا الباب قرباناً يسمح به بدخولهما المدينة. فقال الرجل لا نقدم له إلا تراباً في وجهه. فقالت أخته: يا أخي ولا نقرب له ولا ترابا. ألا تعلم أن التراب أثمن وأعز من الذباب وأنت يا أخي تعرف حديث طارق بن شهاب. قال صلى الله عليه وسلم: دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب حيث مرا على وثن يعبد. فقيل لهما قربا له قربانا. فقال أحدهما ما عندي ما أقرّب له. قيل له: قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقيل للآخر قرب له ولو ذبابا قال ما كنت لأقرب لأحد دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة. فهذه صور مشرقة من عقيدة صافية من مجموعة صور تمت من ذوي الاعتقاد الخالص والإيمان الصادق الثابت. ولو كان منا مقارنة بين أهل هذه الاتجاهات الصادقة في توحيد الله بأفعاله وتوحيده بأفعال عباده وانه سبحانه المانع المعطي النافع الضار والمتصرف وحده في جميع مخلوقاته. لو كان منا مقارنة بين هؤلاء الصفوة المباركة الرشيدة المهدية وبين من تفلَّت عليهم الشيطان بالغواية والضلال والإضلال فتعلقوا بغير الله في دعوى النفع والإضرار والمنع والعطاء ودعوى البركات والولايات، فتعلقوا بالأشجار والأحجار والقبور ومشائخ الطرق والمقامات وغير ذلك مما يتنافى مع توحيد الله بأفعال عباده وتحقيق مقتضى كلمة الإخلاص - لا إله إلا الله - لو حصل منا مقارنة بين الصنفين لوجدنا أن الأحق بالهداية والاستقامة والصلاح وسلامة الاعتقاد هم أهل هذه الصور المضيئة المنبعثة من صدق الإيمان وصفاء العقيدة وهم أسعد الناس بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سأله أبو هريرة رضي الله عنه عن أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه فيجب علينا معشر المسلمين أن نحتفظ بإيماننا بالله تعالى وألا يكون للشيطان طريق إلينا في الغواية والإضلال وأن ندعو الله في كل حال وزمان ومكان أن يثبتنا في القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. والله المستعان.