أدرك أن الموت حق لا ريب فيه، وأعلم أن الموت رحمة وبرداً وسلاماً على المؤمنين الراحلين، فكل نفس ذائقة الموت، ولكننا نجزع لانطفاء شموع الراحلين عن دنيانا، فللموت جلال ومهابة، وألم بالغ ومرارة. منذ أيام قلائل غيب الموت أخي وصديقي الشيخ صالح الراجحي، وفجعت فيه كما فجع كل محبيه، وعند الفواجع يعجز لساني عن الكلام، وتعجز فصاحتي عن البيان، لأنها أصغر من حقيقة آلامي، وأصغر مما يتوقد في وجداني، ذلك لأني فقدت أخاً كريم الصفات، رفيع الخلق والطباع، محباً للخير ومساعدة الناس، بعيداً عن الكبر والصلف، قريبا من اللين والأدب، عذب اللسان، كثير الإحسان، طيب الذكر، محمود السيرة والسريرة، قريبا من الله بتلاوة القرآن الكريم قاعداً وراكباً. لقد عايشت ولازمت الفقيد (رحمه الله) ردحاً كبيراً من الزمان، ففي باكورة أيام الطفرة والنهضة التي مرت بها بلادنا كنا نبحث ونتدارس ونتحاور ونتجادل حول ما هو أجدى وأنفع لنا وللناس والوطن، وكان (رحمه الله) في كل ذلك مضرب المثل في الوفاء وحب العمل، يُرسي للوطن قواعد الاقتصاد المتين، ويُرسي في النفوس قواعد الأدب والدين، يقول الحق ولا يجامل، وينصح الولاية، ولا يخشى في الله لومة لائم. وتحضرني هنا بعض المواقف النبيلة لهذا الرجل النبيل حيث لازمته مدة طويلة في عضوية مجلس إدارة شركة حائل الزراعية لامست خلالها ما كان يتحلى به من رأي سديد وشجاعة في اتخاذ القرار الصائب وسرعة الفهم لكل ما يدور حوله وما يُعرض عليه، حريص كل الحرص على تحقيق المصلحة العامة ومصلحة المساهمين. كانت لي مع الشيخ صالح (يرحمه الله) مشاركات ومساهمات عديدة سواء في الأراضي أو الشركات، وذات مرة اشتريت منه أرضاً وتبقى عليّ جزء من ثمنها وذلك لقلة السيولة عندي في ذلك الوقت واشتكيت له فقال لي هل طالبك أحد منا، فقلت لا ولكني على خجل منك فقال بنبرته الأخوية المعهودة وبنفس راضية لا تعطني حتى تبيع الأرض، ومرت حوالي سنتين حيث بعت الأرض وقمت بتسديده حقه (جزاه الله خير الجزاء). وقد شاركت الفقيد في مشاريع زراعية بمنطقة القصيم فكان نعم الأخ ونعم الشريك، وكانت له في سوق العقار صولات وجولات وحضور دائم سوف نفتقدها نحن العقاريين. لقد رحل عنا الشيخ صالح الراجحي إلى مثواه الأخير تسبقه دعوات كل معارفه ومحبيه، وأهله وذويه تطلب له من الله الرحمة والمغفرة، ونسأل الله العلي القدير ان يكون بين يدي الرحمن الجليل في جنات الخلد مع الأبرار الصالحين وممن أوتوا كتابهم باليمين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (إنا لله وإنا إليه راجعون).