الموت له أثره الكبير في حياة الإنسان، وهو أشد وقعاً على النفوس، خاصة عندما يرحل إنسان يحمل الناس حبه ومودته ويترك ذكرى خيَرة في أعماق قلوبهم ووجدانهم... نعم، لقد رحل الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي ذلك الرجل الخيًر المحسن الكريم بكل ما كان يتميز به من قلب كبير وشعور نبيل ورحمه للآخرين. إن من رأى الشيخ وتعامل معه يدرك كيف كان يحنو على الآخرين ويستأنس بحضور الزوار الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم على مائدته ولا يبدأ بالطعام قبل دخول الفقراء والمساكين الذين قدموا إلى منزله وهذه عادة يعرفها من يجالسه وقد أخذها عنه أبنائه. بل لم يكن يوما يفرق في تعامله مع الغني أو الفقير أو الصغير أو الكبير حيث كان يتعامل مع الجميع بكل حب واحترام، إن أعماله الخيرية تشهد على حياة مليئة بحب الخير والعطاء حيث كان لحفظه القرآن الكريم في صغره وطلبه العلم على يد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة آنذاك والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ كبير الأثر على توجيه أمواله لمصارفها الصحيحة فلم يعرف الإسراف ولا التبذير بل كان متواضعا زاهدا بسيطا باذلا أمواله في الصدقات ومصارف الزكاة وأعمال الخير. في عام 1417ه قرر رحمه الله وقف ثلث أملاكه وقوفا عند الحديث الشريف في صحيح مسلم (عن عامر بن سعد عن أبيه قال عادني رسول الله في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال: قلت: أفأتصدق بشطره قال لا الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.) حيث تم تأسيس إدارة أوقاف صالح عبدالعزيز الراجحي لتكون أعمال هذه المؤسسة وبرامجها ومشروعاتها صدقة دائمة وثواباً مستمراً له عند ربه عز وجل، اسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته . إن هذه الحياة قصيرة وكلنا راحلون عنها لكن ما أجمل أن ترحل ويذكرك الناس بالخير.وما هذه الجموع الغفيرة التي شهدت جنازته إلا دليل على محبة الناس له وذكره الحسن بينهم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت قال هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض رواه البخاري ومسلم وفي مسلم تكرار وجبت ثلاث مرات وتكرار أنتم شهداء الله في الأرض ثلاث مرات وعن أبي الأسود قال قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيراً فقال عمر رضي الله عنه وجبت ثم مُرَّ بأخرى فأثنى على صاحبها خيراً فقال عمر رضي الله عنه وجبت ثم مر بالثالثة فأثنى على صاحبها شراً فقال وجبت فقال أبو الأسود فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين قال قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة؟ قال وثلاثة فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد رواه البخاري. أسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن ويسكنه الفردوس الأعلى ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون . خالد بن معجب الحامد