** هل تتذكرون معي.. قصة وزير الدعاية الألماني في ظل حكومة (هتلر) السيد (جوبلز).. وتشريعه العجيب للكذب على الناس.. وكذلك نهايته بعد كل ذلك ؟! ** قد يعرف المسنون أمثالي هذه الحكاية.. ** وقد يحيط بها المثقفون وقراء التاريخ السياسي للفترات السحيقة من تاريخ الحضارة الانسانية الحديث وليس البعيد.. ** أما الأجيال الجديدة.. فإنها لم تعش تلك الفترة وبالتالي فإنها لم تعرف الكثير عن (الاعلام الأسود) وربما لم تقرأ عنه أيضاً.. ** لكنها عرفت نمطاً آخر.. تجاوز كل النظريات الاعلامية المعروفة.. بدءاً من نظرية (حارس البوابة) وانتهاء بنظرية (حرية الإعلام المسؤول) التي روج لها بعض المنظّرين السياسيين، وتلقفها بعض أساطين الفكر الاعلامي وروجوا لها دون تدبر أو تفكر.. في عواقبها .. ** والحقيقة هي .. ان (حالة الاغماء) التي وضعتنا فيها نظريات الساسة.. وقيادات الفكر الإعلامي.. هي التي جعلتنا نسمع هذه الأيام جملة واحدة تتردد على لسان جميع الشرائح.. ساسة.. ومثقفين.. قانونيين .. واقتصاديين.. مربين.. وفلاسفة.. الا وهي ( لقد فوجئنا بتطور الأحداث السريع) والسبب في عنصر المفاجأة هو حالة الاغماء تلك بفعل غياب الحريات.. وغرق المجتمعات في حالة من (التبلد) و(الانكسار) و(الضعف) و(الاستسلام).. وانعدم الثقة . وبصورة أكثر تحديداً في أجهزة الاعلام الرسمية.. وإلا فإن الواقع المعاش - في بعض جوانبه- لم يكن يتحمل السكوت عنه.. فضلاً عن القبول به والتسليم به.. ** فرغم فظائع (هتلر) ونازيته .. فإن وزير دعايته جوبلز نجح في تقديمه للناس كبطل قومي.. وزعامة تاريخية.. لماذا ؟! ** لأنه كان صاحب نظرية (اكذبْ.. اكذبْ حتى يصدقك الناس) .. وذلك هو عين ما كان يقوم به.. ويفعله.. ويحاول ان يحجب به عين الشمس.. ** لقد تذكرت كل هذا في ظل الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة ومازالت .. وتذكرت معها نظرية أخرى ظهرت في العقود المتأخرة.. لبعض الأنظمة السياسية في المنطقة تقول : ( قولوا ما تشاءون.. ونحن نفعل ما نريد).. ** فقد أُطلق العنان لهذا النوع من الاعلام الأسود والقائم على التضليل.. والتعمية.. وغياب الصدق لديهم.. حتى ظن الناس ان الاعلام بخير.. وان عصر الحريات قد بدأ.. وان الفرصة أصبحت متاحة للشعوب لكي تعبر بحرية أكبر عما يدور بخلدها.. ويجثم على صدورها من مشاعر ناقمة على تلك الأنظمة .. فيما استمرت الأنظمة في العمل على النحو الذي تراه.. وتعتقد بسلامته قبلت بذلك الشعوب أم لم تقبل .. ** وقد ثبت الآن.. خطأ هذا الاعتقاد.. بل ثبت معه خطأ كل النظريات الكلاسيكية العقيمة.. بدليل أن ما لم يكن في الحسبان قد وقع الآن.. وقد يتكرر .. بعد أن كسر (الاعلام الانترنتي) كل الحواجز وكشف عن المستور.. بل وصنع المستحيل أيضاً.. ** والسؤال الآن هو : إلى أي مدى تستطيع الدول بشكل عام.. ووسائل الإعلام التقليدية الأخرى بشكل خاص أن تدرك هذه الحقيقة .. وأن تتصرف على نحو مختلف.. وأن تحترم الوعي .. فلا تكذب بعد اليوم.. لأنه لم يعد هناك مكان لجوبلز آخر؟! *** ضمير مستتر: **(أن تعرف شيئاً.. وتقول شيئاً آخر.. فإن تلك هي الخيانة العظمى).