نشرت مجلة الطبيعة (Nature) العلمية العالمية منذ فترة دراسة علمية عن علاقة الحرية بسلوك القرود. وقد أثبتت تلك الدراسة أن مساعدة الغير والتعاون والتعاطف ليست من أخلاق أو سلوكيات القرود المحبوسة أو المأسورة . وتتلخص الدراسة في ملاحظة علمية لمجموعة من القرود المأسورة التي تعيش خلف القضبان . وتوصلت الدراسة إلى أن حب مساعدة الآخرين والذي يسود غالباً عند البشر هو شيء لا تعترف به القرود المأسورة إطلاقاً . وبالرغم من أن القرود تشبه البشر في كثير من الأمور وفي بعض السلوكيات مثل استخدام الأدوات بشكل جيد والتمتع بمهارات كلامية بدائية , إلا أنها لا تشارك البشر في صفة التعاون مع غيرها من القرود عندما تكون مأسورة . أما فريق الدراسة فقد ترأسه العالم جون سيلك من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ؛ حيث أجرى اختبارين لقرود خلف القضبان , ووضع خيارين أمامها , الأول يسمح للقرد بأن يأكل وحده فقط , والثاني بأن يأكل ويمنح الطعام لقرد آخر دون أن ينقص شيء مما يأكله القرد الآخر , أي أن يكون الأكل مضاعفاً له. ووجد فريق العلماء أن القرود التي كانت خلف القضبان , كانت تأكل وحدها بدون مشاركة مع القرود الأخرى .. رغم أن الخيار الثاني لم يكن يؤثر فيها أو يضيرها في شيء ..!! ولاحظ فريق العلماء أن القرود التي أصابتها الأنانية وعدم التعاون كانت تعيش خلف القضبان لمدة طويلة (حوالي 15 عاماً). أما القرود الطليقة في الغابات فكانت تتقاسم الطعام وتتعاون فيما بينها في الصيد بالإضافة إلى التعاطف ... وقد عزا العلماء هذا السلوك إلى غياب الحرية , وهو غياب يؤدي إلى فقدان القرود المأسورة للأمان والاطمئنان مما يجعلها تتصرف بشكل مختلف عن تصرفها عندما تكون حرة طليقة, في الجبال أو في الغابات الفسيحة . ومن خلال هذه الدراسة العلمية يبدو أن غياب الحرية يؤدي إلى وضع غير طبيعي , وهو اختلال سلوك الحيوان وربما الإنسان عندما يكون أسيراً أو مكبلاً بالأغلال المادية والمعنوية. والحرية مهمة جداً لجميع الكائنات , فقد اكتشف العلماء أن معظم الحيوانات تفقد ربع أعمارها إذا خضعت للأسر وأصبحت خلف القضبان.. وعندما خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأعطاه حرية الاختيار , فإنه وضع بين جنبيه روحاً حرة لكي يكون مسؤولاً وقادراً على اختيار مصيره بعد أن كتب الله عليه الكفاح والعمل لتعمير الأرض وجعلها مكاناً صالحاً للحياة . والحرية لا تولد تلقائياً مع الإنسان , بل تصنع من خلال جهده ومعاناته من أجل أن يكون شيئاً مذكوراً في هذه الحياة ... وإذا كانت القرود تعطينا مثلاً عن أهمية الحرية , فإن الإنسان أشد حاجة من جميع الكائنات الأخرى لأنه مكلف بتعمير هذه الأرض , وربما بتعمير هذا الكون بإرادة الخالق سبحانه وتعالى . إن أفضل مايملكه الإنسان هو حريته , وعندما يفقد الإنسان الحرية , فإنه يصبح مجرد جهاز أو أداة تحركه القوى الخارجية , وربما تسيطر على تصرفاته ..!! وإذا كان الإنسان في المجتمع هو النواة الأساسية له فلابد من احترام حريته , واحترام أحلامه وطموحاته في أن يعيش حراً مسؤولاً عن أفعاله وأقواله... وعندما يعتدي شعب على شعب آخر ويحرمه من حريته ومن أرضه , ويقتِّل أبناءه ويحرق انجازاته , فلابد لهذا الشعب المغلوب أن يعمل من أجل حريته وحياته..