استقال وزير الإعلام محمد أبو الحسن من منصبه مرغماً وودع طاقم مكتبه في منظر (مؤثر) بعد أن لملم حاجياته وأوراقه الخاصة طاوياً «بشته» على يده اليسرى فبدا الطابق الثالث عشر في مبنى وزارة الإعلام الكويتية والذي يشهد دائماً تواجداً مكثفاً لأعضاء مجلس الأمة لتخليص معاملات ناخبيهم، هادئاً وكئيباً على غير العادة، لتطوى بذلك ثمانية عشر شهراً من السجال مع الإسلاميين وهي الفترة التي قضاها أبو الحسن وزيراً في تلك الوزارة التي أصبحت حقيبتها منذ منتصف التسعينات بمثابة «الجمرة» لحاملها. رحل أبو الحسن عن المشهد السياسي في الكويت لكن تداعيات رحيله ستبقى كوقود لعربة التجاذبات والصدامات التي تجر القوى السياسية في مجلس الأمة.. فالإسلاميون يقولون انهم من أرغم الوزير على الاستقالة، بينما يدعي الليبراليون أن تخليهم عن أبو الحسن هو الذي عجّل برحيله، وبين هذه وتلك يبقى الصراع الليبرالي - الإسلامي هو المحرك الرئيسي (ظاهرياً) لذلك المشهد السياسي، حتى وإن اتفق النقيضان على هدف واحد - للمرة الأولى ربما - وهو أن أبو الحسن غير مرغوب من كلا التيارين.. الإسلاميون يقولون ان الوزير فرط في رسالته ومهمته في الحفاظ على النشء وساهم فيما أسموه بالعبث بثوابت الأمة والإخلال بتعاليم الدين عبر إصدار وزارته تراخيص لإقامة الحفلات الغنائية، وسماحها كذلك بتداول بعض الكتب والمصنفات الفنية المخالفة للأعراف والتقاليد، وهي المحاور التي تركز عليها استجواب الوزير الذي كان من المقرر مناقشته قبل يوم من استقالته. أما الليبراليون فيعتقدون أن موافقة ابو الحسن على فرض رقابة على الحفلات الغنائية التي تقام في البلاد لرصد المخالفات ومنع تكرارها بعد ضغوط الكتلة الإسلامية في المجلس، هو ضعف من الوزير أمام ما يقولون إنه إرهاب فكري وتقييد لحريات المجتمع، لذلك وحسب التيار الليبرالي ونوابه في البرلمان فإن الوزير ليس مؤهلاً لشغل المنصب وهو بهذا الضعف والتخوف.. ورغم التباين والتنافر الواضح في موقف الطرفين إلا ان السخط على أبو الحسن كان نقطة التلاقي التي جمعت الضدين. لكن المراقب والعارف بدهاليز وخفايا المشهد السياسي الكويتي سيدرك أن لا موقف الليبراليين من الوزير، ولا استجواب الإسلاميين كان السبب في تقديم ابو الحسن لاستقالة، فالاستجواب لم يكن يضم محاور من القوة بمكان كي تفضي لسحب الثقة منه يوم الاستجواب، فالحفلات كانت موجودة ومرخص لها في عهد الوزراء الذين سبقوا ابو الحسن، وكان بامكانه أن يفند هذه النقطة بكل سهولة خصوصاً انه وضع ضوابط على تلك الحفلات للمرة الأولى في تاريخ وزارة الإعلام الكويتية، كما أن محور الكتب والمصنفات الفنية المنافية للأخلاق التي ساقها المستجوبون لم تدعم بأدلة قاطعة، حيث لم يسجل معرض الكتاب الذي أقيم قبل شهر من الاستجواب أي مخالفات بهذا الشأن. اي ان هذه المحاور حتى وان كانت موجودة بالفعل فهي لن تفضي الى حجب الثقة عن ابوالحسن. كما ان ادعاء الليبراليين انهم احد اسباب الاستقالة لا يمكن التعاطي معه بهذه الصورة ليصبح احد المسلمات، فهذا التكتل من اضعف وأقل التكتلات النيابية فاعلية، وهو منقسم ولا توجد في اجندته الالتزام بمبدأ الأغلبية عند التصويت على اي قرار، وكان من السهولة ان تقوم الحكومة لو نوقش الاستجواب باستمالتهم، او على الأقل اقناع بعضهم بالتزام الموقف الحكومي عن التصويت، فأغلب اعضاء الكتلة الليبرالية هم من طبقة التجار الذين تفرض مصالحهم مبادلة الغزل الحكومي بغزل المواقف اذا ما احتاجت لهم!!. على ان ما قلب الموازين وخلط الأوراق ليلة الاستجواب هو البيان الرسمي الذي صدر من كتلة العمل الشعبي في المجلس وهي الكتلة الأكثر قوة وفاعلية والتي يعتبرها المراقبون الكويتيون انها تمثل خط المعارضة الحقيقية في الكويت، حيث دعمت الاستجواب بل وقالت انها ستستجوب الوزير ابوالحسن استجوابا آخر بسبب قرار اتخذه في الأسبوع الذي سبق الاستجواب ويقضي بنقل امتياز صحيفة الرأي العام الى مجموعة الرأي رغم صدور حكم نهائي من محكمة التمييز يقضي ببيع الصحيفة في مزاد علني، ما اعتبرته كتلة العمل الشعبي مخالفة لاحكام القانون والدستور وانتهاكاً لسلطة القضاء، وما يعزز هذا الطرح ان الوزير اعلن انه سيقف على المنصة يوم الاستجواب قبل يوم واحد من صدور بيان (الشعبي) بل ان معاونيه قاموا بإجراء تجربة الرد على محاور الاستجواب لمدة ثلاث ساعات حضرها ابو الحسن وتم خلالها استخدام شاشات عرض كبيرة داخل المجلس كبروفة نهائية، وهو ما يؤكد ان الوزير والحكومة كذلك قد وصلوا الى قناعة بأنهم سيتجاوزون استجواب الإسلاميين، لكن موقف كتلة العمل الشعبي اربك الحسبة الحكومية، سيما ان اعضاءها من الصعب التأثير عليهم وتغيير قناعاتهم، وهو ما اكدته استجابات وتجارب سابقة. واذا كانت استقالة محمد ابو الحسن قد فتحت ابواب الاحتمالات امام اجراء تعديل او تغيير وزاري يقوم به الشيخ صباح في غضون الأيام القليلة القادمة، فان اوساط سياسية كويتية تطالب بأن يشمل ذلك جميع الوزارات التي تشكل بؤر توتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية كوزارة المالية والصحة والعدل وكذلك التربية، والتي استجوب بعض وزرائها فيما البعض الآخر في طريقه الى الصعود على منصة الاستجواب، وتقول تلك الأوساط ان الشارع الكويتي بات يطالب اكثر من اي وقت مضى بضرورة الإقدام على مثل هذه الخطوة، بل ان سقف المطالبات بات مرتفعا الى درجة وصلت فيها المطالبات باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة قادرة على مد قنوات التواصل مع النواب لإزالة اجواء التوتر وعدم الثقة بين الجانبين، ليتفرغ الجميع للعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطنين. خصوصا ان استقالة وزير الاعلام هي الأولى لوزير في حكومة شكلها الشيخ صباح بالأصالة لا الإنابة للمرة الأولى منذ فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء في يونيو من عام 2003م، وهي الحكومة التي حاول رئيس مجلس الوزراء ان تبقى دون تغيير لأطول فترة ممكنة، لكن استقالة ابو الحسن جاءت بمثابة السقوط لأولى حبات «المسبحة» الحكومية، ما قد يشجع الشيخ صباح للإقدام على تشكيل حكومة جديدة بعد ان استحال بقاؤها دون تغيير وهو الهدف الذي جاهد الشيخ صباح من اجله طويلا.