كم من نفوس جميلة شُوهت ، وعقول ذكية حطمت ، ومواهب شابة اغتيلت في مهدها باسم ( المثالية والكمال المطلق) او أخلاق المدينة الفاضلة ، رغم ان الخطأ من طبع النفس الانسانية الضعيفة .. ولذلك اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعة هذه النفوس فقال (كل ابن آدم خطاء) ، ليخبرنا أن هذه الجزئية لا خلاف عليها ابدا ، ولا مجال للمزايدة عليها ، او ادعاء الكمال المستحيل ، ثم يعقب بقوله (وخير الخطائين التوابون) وهنا يقع الفرق بين الناس ، وهنا يبرز التفاضل ، وهنا يتضح بجلاء معنى الامانة التي تحمّلها الانسان بعد ان عرضت على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها .. **** فتيات في عمر الزهور ، وجمال الورد ، وطهارة المطر ، يأتين الى عيادتي بعد ان فقدن صوابهن وثقتهن بأنفسهن بسبب قريب عيّرهن، او مجتمع همزهن او لمزهن ، لخطأ وقع في ساعة غفلة شيطانية ، فمحا ذنب تلك الساعة نقاء وطهر الف ساعة قبلها ، في مجتمع يعرف كيف يركز على الاخطاء ويضخمها ويترك الجوانب الحسنة والخيرة التي تغلب مادونها من اخطاء عفوية لم تتكرر ، فيعرف كيف يعين الشيطان على صاحبنا .. **** ينقل في الاثر عن المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، انه قد جاءت اليه امرأة قد وقعت في الزنى ، فالتفت اليها الناس ينظرون اليها بنظرة حانقة واشمئزاز ، فلما رأى عيسى هذه النظرة العلوية منهم ، قال لهم منتقدا فعلهم (من كان منكم بلا خطيئة ، فليرمها بحجر) فلم يتحرك احد من مكانه !!.. فلا داعي اذن لأن نتفاخر بشيء لا نملكه اصلا ، لان العصمة من الله ، وانما الحافظ هو الله وحده ، وهو القائل سبحانه (كذلك كنتم من قبل ، فمنّ الله عليكم) ، فلنتق الله في بناتنا وأبنائنا ، فلا نقسو عليهم ولا نعيرهم باخطائهم ، وكيف بالله نستحل ذلك وصاحب الحق سبحانه قد تسامح في حقه وعفا فاخبرنا بأن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فلا داعي للتجني والمبالغة والمزايدة بعد ذلك ، ومن كان بيده فسيلة فليزرعها ، او اتركوا الخلق للخالق .. **** إنها امراض النفس والمجتمع تلك التي لا ترى من الخطأ الا فداحته ، ولا من صاحب الخطأ الا خبثه وسوء طويته ، ولا من هذا الحدث الا فرصة التسلية والتفكه في المجالس والتلذذ بالتشهير لإشباع رغبات النفس في التعالي ومدح النفس وتزكيتها بالطرق العكسية ، بينما يفترض بالمؤمن الحق ان ينظر لهذا العاصي او الخاطئ كمثل نظرته لمن سقط في حفرة او من قد التوت قدمه وهو يمشي سواء بسواء ، فيقف بجانبه ويمسك بيده ويسمي عليه ويحمد الله له ان المصيبة لم تكن أعظم ، وفي داخل نفسه انكسار لما رأى فيحمد الله أن عافاه مما ابتلي به هذا المصاب ، فالسقوط متوقع من كل احد لولا فضل الله ورحمته ، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.. وعلى دروب الخير نلتقي ..