الإنسان مجموعة من التجارب والذكريات المتراكمة .. فما قيمة ماضيك وخبرتك ومعرفتك وفائدتك للمجتمع إن فقدت ذاكرتك وأرشيفك الشخصي؟! وليس سراً أن احتمال إصابتنا بالخرف وفقد الذاكرة يتزايد مع تقدمنا في العمر وتجاوزنا لسن الشيخوخة. وحتى إن لم تصب بهما فإن كثيرا من ذكرياتك الماضية تكون قد بهتت أو تلاشت تماما. ولتلافي ضياع الذكريات الجميلة والخبرات المميزة قدمت شركات كثيرة برامج كمبيوترية تحفظ الأحداث والخبرات المهمة.. وكانت شركة ميكروسوفت على حد علمي هي أول من قدم برنامجا لهذا الغرض قبل عشر سنوات يدعى ذكريات حياتي أو (MyLifeBite) . وتعتمد فكرة البرنامج على تسجيل كافة الصور والرسائل والافكار والملاحظات الشخصية ومحادثاتك التلفونية في أرشيف الكتروني ضخم (تماما كما يفعل صندوق الطائرة الأسود). وهي عمليات تتم بلا تدخل منك طالما نفذتها بواسطة الكمبيوتر ويجري نسخها تلقائيا على القرص الصلب.. وفي حال خشيت من فقد "القرص" ذاته يمكنك شراء مساحة تخزين مناسبة لدى الشركة لتسجيل الذكريات والوصايا والاعترافات (ووو) تعود إليها عند الحاجة أو يعود إليها الورثة بعد وفاتك!! وبالطبع لم تتحدث الشركة كثيرا عن الجانب الأمني واحتمال سرقة ذكرياتنا من قبل هاكر متخصص.. كما لم تتحدث عن احتمال نجاح العلماء في تحقيق حلم قديم طالما تردد في روايات الخيال العلمي؛ ففي حال كنت في سن العشرين (هذه الأيام) سيكون قد أصبح ممكنا (حين تصل لسن السبعين) استنساخ ذاكرتك وتسجيلها على قرص ليزر وربما إعادة زرعها في دماغ انسان آخر !! = وهذا الاحتمال العجيب سيصبح متوفرا في المستقبل بفضل فهمنا المتزايد لطريقة عمل الذاكرة من جهة وتطور طرق التخزين الإلكتروني من جهة أخرى . وحينها لن يختلف استنساخ المعارف المخزنة في الذاكرة عن استنساخ المواد المسجلة على "USB" أو قرص ليزر.. ولك ان تتصور نابغة في الفيزياء أو الطب يتم عند بلوغه سن الستين أو سن النضج العلمي استدعاؤه إلى وزارة "التلقين العلمي" . وهناك يستقبل بترحيب شديد ويحدد له موعد لاستنساخ ذاكرته ونقلها إلى أدمغة مجموعة مختارة من صغار السن .. وحين تنتشر هذه الممارسة سيتاح لأحفادك تعلم عشر لغات في يوم واحد أو الحصول على الدكتوراه في ساعة واكتساب جميع المعارف بين عشية أوضحاها !! ولاحظ أن هذا التصور مبنيّ على الدراسات القائلة بأن محتويات الذاكرة ما هي إلا نبضات كهربائية تتنقل بين خلايا المخ.. ولكن إن صحت (الفرضية الأخرى) التي تدّعي أن الذكريات مجرد تغيرات في كيميائية المخ عندها سيتم نقل المعلومات بوسائل كيميائية إلى مجرى الدم أو مركز الذاكرة مباشرة ؛ فبدلاً من استنساخ المعلومات بطريقة إلكترونية ستنتشر في القرن القادم "كبسولات" و"حقن" و"بخاخات أنف" تتضمن كافة المعلومات المتخصصة.. وهكذا لا يحتاج نيل أي شهادة أكاديمية سوى تناول "كبسولة" رياضيات أو "نشوق" لغة فرنسية - في حين أتوقع الحصول على التخصصات الطبية بواسطة حقنة "في العضل"-.. أتمنى فقط أن لا تستمر أخطاؤنا الطبية حتى ذلك الوقت..