جسم الإنسان - مثل كل الأجسام الحية - مكون من خلايا عضوية تتحلل وتختفي بعد الوفاة، أما أفكارنا وذكرياتنا فتتشكل من نبضات كهربائية وسيالات عصبية يصعب الجزم باختفائها نهائياً (حسب قانون حفظ الطاقة الذي يفيد بأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث ولكن قد تتحول من شكل إلى آخر). ولعل أبرز دليل على بقاء الأفكار - بعد وفاة صاحبها - هو قدرة الأطباء على رسم خرائط ورسوم بيانية لما يجري في الدماغ (يمكن من الناحية النظرية عكسها وإعادة ترجمتها كنسخة كربونية للأفكار نفسها). وقبل فترة قالت صحيفة الأوبزيرفر اللندنية إن قدرات الكمبيوتر ستتطور (في عام 2050) إلى درجة قدرتها على تخزين واسترجاع ذكريات البشر بعد وفاتهم.. ففي ذلك الوقت سيصبح بالإمكان تحميل كل ما يحتويه الدماغ البشري على كمبيوتر محمول أو قرص منقول.. وقالت الصحيفة (في عدد 25 مايو 2005) أن ذكريات البشر سيتم استعادتها مستقبلاً بالصوت والصورة والبحث في أرشيفها (بدلالة اليوم والشهر والسنة).. وهذا يعني أن وفاتنا مستقبلاً ستحدث - كما تحدث منذ الأزل - بطريقة طبيعية باستثناء بقاء أفكارنا وذكرياتنا كنبضات إلكترونية تعيش إلى الأبد (... أو لنقل حتى يتلف أحدهم النسخة الأصلية)!! هذا الاحتمال العجيب سيصبح متوفراً في المستقبل بفضل فهمنا المتزايد لطريقة عمل الذاكرة - من جهة - وتطور طرق التخزين والاسترجاع الإلكتروني من جهة أخرى. وحينها لن يختلف استنساخ المعارف المخزنة في الذاكرة عن استنساخ المواد المسلجة على شريط (كاسيت) أو قرص كمبيوتر واستعادتها كما هي.. ولك أن تتصور علماء ونوابغ يعيشون في القرن القادم - وحين يصلون لسن التقاعد - يستدعون إلى وزارة «التلقين العلمي» لعمل نسخة من عقولهم النيرة. وهناك يستقبلون بترحيب شديد ويُحدَّد لهم موعد لاستنساخ ذاكرياتهم ونقلها إلى أدمغة مجموعة مختارة من صغار السن! وحين تنتشر هذه التقنية (وتوزع الأقراص في الأسواق) سيتاح تعلم عشر لغات في يوم واحد والحصول على الدكتوراه في ربع ساعة واكتساب جميع المعارف في أيام قليلة.. وهذا يعني حتما إلغاء فكرة المدارس من أساسها وظهور مراكز متخصصة لتلقين الطلاب جميع أنواع المعارف خلال أسبوع أو أسبوعين.. ولا يلزم الطالب حينها سوى تحديد التخصص الذي يرغب في استيعابه ثم يتوجه إلى غرفة التلقين المخصصة (حيث تحشر المعارف برأسه حشرا)! على أي حال، حتى تتوفر هذه التقنية المتطورة أشير إلى أن شركة ميكروسوفت المعروفة سبق وأصدرت برنامجاً - يعد بدائياً مقارنة بالفكرة السابقة - يدعى ذكريات حياتي أو (My LifeBite).. وتعتمد فكرة البرنامج على تسجيل كافة الصور والرسائل والأفكار والملاحظات الشخصية - بل وحتى محادثاتك التلفونية - في أرشيف إلكتروني ضخم. وهذه العمليات تتم بلا تدخل منك - طالما نفذتها بواسطة الكمبيوتر - ويجري نسخها تلقائياً على القرص الصلب.. كما سيتم إنشاء موقع خاص على الانترنت - في حالة رغبت بذلك - يحجز على الشبكة مساحة دائمة لتسجيل ذكرياتك وآرائك وتجاربك الشخصية لمن يرغب بالعودة إليها والاستفادة منها!! ... وسواء الآن - أو بعد خمسين عاماً - يظل الهاكرز أكبر مشكلة! [email protected]