تعرف المصريون أخيراً على وائل غنيم محرك التظاهرات من وراء حاسوبه. فبعد أن خرج من مقر جهاز أمن الدولة مساء الاثنين ظهر على التلفزيون فتكلم وتلعثم وبكى رفاقه الذي سقطوا وأبكى معه ملايين المصريين. وبدا الشاب النحيل، قصير القامة أشعث الشعر بعينين غائرتين تعباً بعد 11 يوماً أمضاها في سجون أمن الدولة. ويعمل خبير الانترنت هذا البالغ من العمر 32 عاما، مدير التسويق لمنطقة الشرق الاوسط في «غوغل». وهو يقيم في مقره في الامارات ولا ينقصه لا مال ولا جاه. قبل يومين من بدء تظاهرات مصر أخبر المسؤولين عنه انه ذاهب في اجازة الى مصر «لاسباب عائلية»، وكان أبرز الداعين الى التظاهرة الاولى في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. ورغم الارهاق تماسك خلال المقابلة التلفزيونية. الا ان قيام القناة بعرض صور رفاقه الذين قتلوا كان بالنسبة اليه اقوى من ان يحتمل. قلت للبدراوي: لا نريد أن نرى شعاراً واحداً للحزب الوطني في أيٍّ من شوارع مصر انحنى على الطاولة، بكى لدقائق وبصوت عال دون ان يلتفت الى المذيعة. تمتم بضع كلمات «والله العظيم دي مش غلطتنا دي غلطة كل واحد متبت (أي متشبت بالعامية المصرية) في الكرسي ومش عايز يسيبه (اي يتركه)». ثم قال وهو مازال يبكي بصوت عال «عايز أمشي». وغادر الاستديو على الهواء. خلال المقابلة وقبل انسحابه لم يخف وائل غضبه. قال لسجانيه والمحققين معه ان «خطفي جريمة واذا كان لا بد من ان اعتقل يجب ان يكون حسب القانون. لست ارهابياً ولا مهرب مخدرات حتى يطبق علي قانون الطوارئ». ويضيف راوياً حواره مع الضباط الذين حققوا معه «أنا من يدفع رواتبكم لأنني انا ادفع ضرائب وجميع المسؤولين موظفون ويحق لكم محاسبتهم» موجها كلامه الى المصريين عبر التلفزيون. ويتابع غنيم «انه موسم التخوين. كان الضباط الذين يحققون معي لا يصدقون أنني اتصرف بمبادرة شخصية مني مع زملاء لي مثلي. أنا متهم بتنفيذ أجندات خارجية، قالوا عني انني خائن ثم غيروا رأيهم (...) وأجندتنا هي حبنا لبلدنا». عن استقبال وزير الداخلية محمود وجدي له عقب اطلاق سراحه وقيام الأمين العام الجديد للحزب الوطني حسام بدراوي باصطحابه الى منزله، يقول وائل ان «وزير الداخلية كلمني من دون ان يعتقد بانني تافه وضعيف، بل كان متأكداً أنني شخص قوي والفضل لشبان الميدان، وهم أيضاً الذين جعلوا حسام بدراوي يوصلني الى منزلي». عوملت باحترام في «أمن الدولة» وقلت للمحققين: لست إرهابياً ولا مهرب مخدرات.. أنا من يدفع رواتبكم ونقل وائل حواره مع بدراوي. وروى «قال لي أخرجنا كل السيئين من الحزب فقلت له أنا لا أريد ان أرى شعاراً واحداً للحزب الوطني في أي شارع من شوارع مصر. على كل من يعتبر نفسه جيدا ان يخرج من صفوف الحزب الوطني وأن يؤسس حزبا آخر». كما قال لوزير الداخلية ان «النظام السياسي لا يخاطبنا بل يقول لنا اسكتوا كلوا وعيشوا (...) لا نثق بكل كلام يصدر عن المسؤولين فيه، كله كذب باعتبار انه ليس من الضروري ان يعرف المواطن الحقيقة». ويصف النظام بانه «يملك منظومة لإعدام كرامة المصريين». ووائل بدا أيضاً متسامحاً وغير حاقد. قال «الوقت ليس وقت تصفية الحسابات. وقد أكون راغبا بأخذ حقي من أناس كثر، الا ان الوقت ليس لتصفية الحسابات ولا لتقسيم الكعكة ولا لفرض الايديولوجيات (...) انه وقت المطالبة بالحقوق». كما لا يهاجم سجانيه. وقال «تعاملت مع أشخاص محترمين في أمن الدولة واذا حصل التغيير سيكون هؤلاء اشخاصا جيدين». واكد غنيم انه لم يتعرض للتعذيب. وقال «ربما تنتظرون مني ان اخلع قميصي لاكشف لكم عن حروق في جسدي من آثار التعذيب. لا، لم يعذبونني ولم يلمسونني». واضاف «انا لست بطلاً، أنا كنت وراء حاسوبي فقط انا (مناضل الكيبورد). الابطال هم الذين نزلوا واستشهدوا في شوارع مصر». وردا على سؤال عن نجاح تظاهرات 25 يناير، قال «كنا نتواصل عبر النت نفتح منتديات الحوار ثم نتخذ قراراتنا بشأن التظاهر بالاغلبية». وحرص على التأكيد ان «الاخوان المسلمين لم يكن لديهم أي علاقة بالدعوة الى هذه التظاهرة الاولى ولم يشاركوا فيها». وبعد انسحاب وائل، قال السيناريست والشاعر المصري مدحت العدل وهو خمسيني والدمع في عينيه «أخجل من جيلي الذي لم يتمكن من القيام بما قام به وائل ويقوم به جيله».