تحول ميدان التحرير في قلب القاهرة طوال ساعات أمس إلى ساحة حرب حقيقية، حيث اندلعت مواجهات عنيفة سقط خلالها قتيل ومئات الجرحى. واندلعت المواجهات لدى اقتحام الآلاف من مؤيدي الرئيس المصري حسني مبارك الميدان معقل المتظاهرين الذين يطالبون بتنحيه، فيما رفض النظام دعوات المجتمع الدولي لتسريع "المرحلة الانتقالية" دون انتظار الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في ايلول/سبتمبر. ولم تثن التنازلات التي قدمها مبارك وكان آخرها اعلانه مساء الثلاثاء في خطاب للشعب عن عدم نيته الترشح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عزيمة معارضيه الذين ينوون تصعيد حركتهم بتنظيم تظاهرة حاشدة غداً الجمعة قد تتوجه الى قصر الرئاسة. وبدأ مؤيدو مبارك التجمع منذ الصباح الباكر بالآلاف أمام مبنى التلفزيون الحكومي وفي ميدان مصطفى محمود في تظاهرات اتهمت المعارضة النظام بالوقوف وراءها. وتحرك عدد كبير من انصار مبارك الى ميدان التحرير معقل متظاهري المعارضة منذ بدء الاحتجاجات حيث دارت اشتباكات بين الطرفين اوقعت 500 جريح على الاقل بحسب مصدر طبي. واعلن المتحدث باسم وزارة الصحة ان مجندا في القوات المسلحة قتل في المواجهات. وشاهد مراسلون عشرة متظاهرين مصابين ومعظهم كانوا ينزفون من رؤوسهم في الساحة التي اقتحمها موالون بالخيول والجمال وهم يلقون الحجارة على المتظاهرين. كما شوهدت سيارات اسعاف تنقل الجرحى تباعا في مجموعات بعضها من اربعة اشخاص الى المستشفيات فيما قام محتجون بنقل جرحى آخرين الى عيادات ميدانية اقيمت في اماكن عدة من الساحة ويعمل فيها متطوعون بوسائل اسعاف اولية. وقذف بعض من موالي الرئيس مبارك، الذين اكد العديد من الشهود انهم من رجال الامن و"بلطجية" الحزب الوطني الحاكم، المتظاهرين المرابطين فيه لليوم التاسع على التوالي بالحجارة وبقطع حديدية صغيرة. كما اعتلى بعضهم البنايات المطلة على ميدان التحرير والقوا كتلا حجرية على المتظاهرين في الساحة التي تحولت الى ما يشبه ساحة معركة. دبابة تابعة للجيش تحترق بعد أن علقت بين طرفي المواجهات في ميدان التحرير. (إ.ب.أ) وأطلق الجيش المصري طلقات تحذيرية في الهواء في محاولة لفض الاشتباكات كما اطلقت قنابل مسيلة للدموع لم يعرف مصدرها على المتظاهرين المعارضين لمبارك. وسقطت قنبلتان حارقتان في حديقة المتحف المصري وتمكن رجال الاطفاء بمساعدة افراد من الجيش من اخماد النيران. واتهمت ثلاث مجموعات احتجاجية رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية باقتحام الميدان "لترويع" المتظاهرين "بهدف اظهار ان الشعب المصري منقسم". غير ان مجموعات من المتظاهرين كانوا لا يزالون يهتفون وسط هذه الاشتباكات "مش عايزينه، مش عايزينه" و"يرحل يرحل يرحل" و"مش حنمشي .. هو يمشي". ورفع مؤيدو مبارك لافتات تقول "لا لاهانة رمز مصر" و"نعم لرجل الحرب والسلام" و"مبارك في قلوب المصريين .. سامحنا يا مبارك". واثر اشتباكات ميدان التحرير دعا المعارض محمد البرادعي الجيش المصري للتدخل لحماية "ارواح المصريين" وعدم الوقوف على الحياد. مؤيد لمبارك وصل الى ميدان التحرير راكباً جملاً يشارك في الانقضاض على المتظاهرين. (أ.ب) واعتبر ان ما حصل في ميدان التحرير "جريمة بحق مصر من قبل نظام فقد شرعيته".-على حد تعبيره- وكان البرادعي، وهو الاكثر تمثيلا للشباب الذي اطلق الانتفاضة المصرية، اكد ليل الثلاثاء الاربعاء ان خطاب الرئيس المصري "حيلة". واتهمه بانه "يحاول أن يطيل فترة عدم الاستقرار في مصر وعليه أن يستقيل". كما اعلنت جماعة الاخوان المسلمين بعد ظهر أمس رفضها بقاء مبارك، الذي يحكم البلاد منذ ثلاثين عاما، في السلطة. ودان البيت الابيض "اعمال العنف" ضد التظاهرات السلمية في القاهرة، مؤكدا في الوقت ذاته قلقه البالغ من الهجمات التي تتعرض لها وسائل الاعلام. من جانبه، وصف المتحدث باسم الخارجية الامريكية فيليب كراولي اعمال العنف هذه بانها "خطيرة" على مصر وتطلعات سكانها، محذرا من استخدام القوة. اما الامين العام للامم المتحدة بان كي مون فاعتبر ان "الهجمات على متظاهرين مسالمين في مصر غير مقبولة". ودان وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي اعمال العنف في مصر ودعا الى تغيير سريع نحو الديموقراطية، وذلك في محادثة هاتفية مع البرادعي، كما اعلنت وزارته. واندلعت الاشتباكات في ميدان التحرير بعد ساعات قليلة من دعوة الجيش المصري، وهو عماد النظام، للمتظاهرين المطالبين برحيل مبارك الى العودة الى بيوتهم، في تحول لافت لموقفه بعد يومين من اقراره ب"مشروعية" مطالبهم. مصرية تتولى الجانب اللوجستي وتزود المتظاهرين بالحجارة خلال المواجهات. (أ.ب)