هل صحيح أن الدبلوماسية لا تبنى على قواعد الأخلاق وصفات الفضيلة..؟ وهل يجب الفصل بين مفهوم الأخلاق والسياسة الدبلوماسية..؟ سؤال يفرض نفسه ويعود بنا الى قضية فلسفية مطروحة في مجال العلوم السياسية عبر مختلف الأزمنة إذ يتصور بعض الناس ان الوجه الآخر للسياسة هو الدبلوماسية وان الدبلوماسية لا اخلاق وهي تعتمد على الكذب والمراوغة وذلك لما ساد في واقعنا الحالي من تأزّم الأخلاق وبخاصة عند كثير ممن يمارسون السياسة والدبلوماسية. كتاب " الدبلوماسية – اخلاق ومهنة" للدكتور جمال بن عبدالعزيز رفة الصادر حديثاً يهدف لإبراز اخلاقيات الدبلوماسية ذلك ان المرحلة التي نعيشها - كما يشير المؤلف- تحتاج الى وقفة لإزالة اللبس لدى بعض الناس عن مفهوم الدبلوماسية والسياسة.وقد اعلن الملف ان اهداف موضوع الكتاب جاءت لاحياء الضمير الأخلاقي لدى الفرد والجماعة وذلك بتجديد الايمان والمعتقدات التي تضبطه وكذلك ربط الأنظمة والتعليمات الدبلوماسية بالأخلاقيات بموضوعية وعلمية ومنهجية يتحقق من خلالها التأصيل لهذا الموضوع بالاضافة الى اذكاء الوازع الديني والوطني وتنميته فكريا ونفسيا. تركي الفيصل: لو قرأته قبل تعييني سفيراً لتجنبت بعض الأخطاء السلوكية والإدارية الكتاب يعد فريداً في موضوعه وطريقة معالجته من خلال فصوله الثلاثة التي تناولت الدبلوماسية كتعريف ومفهوم ثم تطور التمثيل الدبلوماسي في المملكة العربية السعودية واخيراً الأخلاق والمهنة باسلوب شائق وجاذب ولا غرو في ذلك فالدكتور رفة التحق بالعمل بوزارة الخارجية منذ عام 1981 بمرتبة ملحق ثم تدرج في العمل الدبلوماسي وتنقل من خلال قطار العمل في محطات مختلفة في دول العالم حيث عمل في الوفد الدائم لدى الأممالمتحدة وعمل في سفارات خادم الحرمين الشريفين في عدة دول منها واشنطن وسويسرا والمجر واليابان والآن يعمل سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في اوغندا. ولعل قراءة لمقدمة الكتاب التي وضعها صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس ادارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ما يشير الى هذه الأهمية اذ يقول سموه : ( عندما قرأت كتاب الدكتور جمال بن عبدالعزيز رفة تمنيت لو انه كان قد كتبه قبل أن اعيّن سفيراً في خدمة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى ، وذلك لأنني وجدت فيه من الإرشاد والتوجيه والتوضيح عن مهنة الدبلوماسية ما كان سيقيني من الوقوع في اخطاء ان كانت سلوكية او ادارية اثناء عملي. وواصل سموه قائلاً: وحبذا لو تفضلت وزارة الخارجية بتزويد كل موظف لديها بنسخة منه ليستفيد منها . فلغة الكتاب هي لغة السهل الممتنع وفحوى الكتاب تكمن في المثل القائل: "خير الكلام ما قل ودل" فأهنئ نفسي وامثالي الذين يقرؤون الكتاب لوجوده في متناول القراء،وابارك للدكتور رفة مجهوده المحمود والمنشود وبالله التوفيق والسداد. اما الدكتور جمال فيقول : عندما وسمت كتابي هذا ب ( الدبلوماسية اخلاق ومهنة ) او ( اخلاقيات الدبلوماسية ) هدفت لأداء العمل الدبلوماسي بسلوك سوي واخلاقيات معتبرة شأنه في ذلك شأن سائر المهن المحترمة ، كذلك حرصت على ازالة ما علق به من اوصاف ونعوت مسيئة ، واردت كذلك التركيز على اهمية الممارسة الأخلاقية في هذا المجال الحيوي المهم. واعتبر الدكتور جمال ان القوانين وحدها لا تعلّم الناس الأخلاقيات ولكن كلما سمَت الأخلاق سمَت القوانين فمن حقّ الأخلاقيات الدبلوماسية علينا للرقيّ بها مهنة وسلوكاً ان تصبح ثقافة ذات عمق وعطاء تسعد بها الشعوب وتزدهر في ظلّها الحضارات ولتكون هذه الثقافة مرجعية النظم والتشريعات والدبلوماسية. واضاف : إن تجاهل اهمية الأخلاقيات الدبلوماسية افسح المجال لثقافة القوة وسطوتها على حساب القيم والمثل وكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. هذه الكرامة وتلك الحقوق لا تتأتّى إلاّ بقوة الثقافة بدلاً من ثقافة القوة ، لأن القوة الحقيقية في المثل العليا والقيم الكبرى (الحق ،العدل،الخير) وهذا هو المحك الحقيقي بين ما تدعو اليه الأديان السماوية الصحيحة وثقافة اتباعها وممارساتهم. حقيقة لا اخال احداً يجادل او يماري في مدى الحاجة لوعي المرحلة في نشر مفهوم (الثقافة) ، وفي مجملها ثقافة الأخلاق والقيم الإنسانية وممارستها كأمر طبيعي في حياتنا لتكون بمنزلة اهمية احتياجاتنا للماء والهواء. قال تعالى : ( قل كلّ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ).