الإنسان مثل باقي الكائنات الحية يتبع إيقاعا يوميا دقيقا ينتج عنه وظائف عضوية مهمة ومختلفة في فترتي النهار والليل. وتتعرف أعضاء الجسم على فترتي النهار والليل بواسطة مراكز متخصصة في المخ (تعرف عرفا بالساعة البيولوجية) ويحدد الضوء وقتها ويعايرها يوميا حتى لا يختل توقيتها. وللضوء وظائف مهمة جدا للمحافظة على صحة الجسم والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وجعل جسمه يعمل بنظام دقيق جدا. ووظائف الجسم تتوافق مع الطبيعة التي خلقها الله فالضوء القوي يأتي في وقت النهار الذي يعمل فيه الإنسان ويأتي الظلام في الليل في الوقت الذي ينام فيه الإنسان واستمرت هذه العملية طوال وجود الإنسان على الأرض. ولكن حديثا ومع اكتشاف الكهرباء والإضاءة الصناعية اختلت هذه المعادلة الدقيقة ونتج عنها تغيرات تم رصد بعضها مثل نقص عدد ساعات نوم الإنسان 1-2 ساعة يوميا مقارنة بأكثر من مئة سنة مضت. ويظهر تتابع دراسات حديثة التأثير الذي ظهر على الإنسان بسبب وجود ضوء قوي بالليل والنهار. هناك هرمون يعرف بهرمون الميلاتونين له وظائف مهمة كثيرة للجسم سنستعرض بعضها هنا. إفراز هذا الهرمون يزداد في الظلام لذلك يعرف عرفا بهرمون الظلام ويتأثر كثيرا بوجود الضوء حيث قد يهبط مستواه في الدم كثيرا عند وجود إضاءة قوية. فبالإضافة إلى تنظيمه لعملية النوم والاستيقاظ فإن هرمون الميلاتونين له تأثير على خفض ضغط الدم وتنظيم الإيقاع اليومي لدرجة حرارة الجسم المهمة لكثير من وظائف الجسم والتحكم في مستوى الجلوكوز في الدم. كما أن هناك أبحاثا تستكشف دور الهرمون في مشاكل عضوية أخرى ومنها تأثير نقصه على زيادة الأورام. وأود اليوم أن استعرض نتائج آخر دراسة تعرضت لتأثير الضوء الشديد مساء في غرفة النوم أثناء النوم نشرت هذا الشهر في مجلة Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism وقام بها باحثون من جامعة هارفارد. وقد هدف الباحثون لدراسة تأثير التعرض للضوء قبل وخلال النوم على مستوى الميلاتونين في الدم. وقد قام الباحثون بدراسة 116 متطوعا تتراوح أعمارهم بين 18-30 سنة وقاموا بتعريضهم في الجزء الأول من الدراسة لإضاءة قوية في غرف النوم، قبل النوم بثماني ساعات وخلال النوم لمدة خمسة أيام وفي الجزء الثاني كانت الإضاءة خافتة لمدة خمسة أيام أيضا. ووضع في يد كل متطوع قسطرة وريدية تسمح بسحب عينة دم لقياس مستوى الميلاتونين في الدم كل ساعة خلال جزأي الدراسة. ووجد الباحثون أن التعرض للضوء القوي مساء وقبل النوم قلل من فترة إفراز الميلاتونين بمقدار 90 دقيقة كما أن التعرض للضوء خلال النوم قلل من مستوى هرمون الميلاتونين في الدم بنسبة 50%. الدراسات الحديثة تبين أن هناك ارتباطا بين مستوى الميلاتونين ومرض السكر وكذلك بين مستوى الميلاتونين وبعض الأورام وكذلك ارتفاع ضغط الدم. وقد ذكر الباحثون أن التعرض للإضاءة القوية خلال الليل لسنوات ومدد طويلة قد يكون له آثار جانبية على الجسم وخاصة لدى الأطفال ولازال هذا المجال يتطلب الكثير من الأبحاث لاستكشاف آثار الإضاءة القوية في غرف النوم.