في البداية أود أن أسجل الشكر والتقدير لسعادة مدير عام السجون اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي على رده على مقالي المنشور في هذه الزاوية بعنوان " الاستثمار في السجون", وكذلك على إيضاحه لتوجه المديرية إلى إنشاء مدينة صناعية في إصلاحية الحاير في الرياض هي الأولى من نوعها على مستوى سجون العالم، تضم أكثر من (100) مصنع لتشغيل السجناء و من ثم تعميم التجربة على سجون المملكة. وكذلك للأخ النقيب بندر الخرمي الذي وضع أسسا عملية في رسالته لنيل درجة الماجستير من قسم الإعلام بجامعة الملك سعود لتوظيف التخطيط الإستراتيجي في مجال العلاقات العامة الاستثمارية لتحقيق هذا التوجه الاستثماري في السجون و تعزيز فكرة السجين العامل المنتج, ولقد سعدت بالإشراف على رسالة النقيب بندر وما أثارته من نقاش علمي مع الزميلين الدكتور حمزه بيت المال و الدكتور وديع العزعزي. كنت أتوقع أولا , أو على الأقل كنت أتمنى أن تكون ردود الفعل من رجال الأعمال و أصحاب المصانع لمناقشة هذا التوجه العالمي لأنهم هم أصحاب المصلحة, و لكن مع الأسف الشديد اقتصرت التعليقات على النواحي الصحفية و ليس الاستثمارية. الطريف في الأمر أنني تلقيت اتصالات تطلب مني التوسط لدى اللواء الحارثي بعد نشر رده في هذه الصحيفة الواسعة الانتشار, وهذا جزء من ثقافة انتهازية لما يدور في ساحة الإعلام ابتداء من مثل هذا النقاش وانتهاء بنشر أرقام هواتف أهل مصاب في إعلانات العزاء. و بالعودة للفكرة الرئيسة لهذا المقال أود أن أطرح سؤالا بسيطا مفاده : هل من يقضي عقوبة سالبة للحرية داخل السجون يعتبر جزءاً من رأس المال البشري الوطني أم لا؟ سأتطوع بالإجابة "بنعم", لأن السجين هو عبء داخل السجن وسيعود للحياة العامة بعد قضاء محكوميته. و عند العودة سيكون أكثر عبئا على أهله و مؤسسات المجتمع المختلفة إلى أن تضيق عليه حلقات الحياة فلا يعود يرى سوى العودة للجريمة طريقا للعيش. فالسجن لم يعد تلك العقوبة المرعبة له, و المجتمع سيصبح شريكا له في خلق أسباب العودة للجريمة . لذا اتجهت دول العالم إلى جعل السجين يعمل و يقوم بدوره وواجبه الأسري ويدفع ديونه من كده وعرق جبينه. بل إن بعض الدول أصبحت تبحث في إبداع المساجين ومنتجاتهم الفنية كما هو الحال في سوريا حيث تعاونت وزارتا الداخلية و الثقافة ممثلة بأكاديمية الفنون الجميلة لتعزيز الإنتاج الفني والإبداعي للمساجين من نحت ورسم وغيره. أما في الجانب الاستثماري نجد أن أوروبا وتحديدا ألمانيا بدأت تقطع شوطا بارزا في الاستثمارات في قطاع السجون. وفي الولاياتالمتحدة أصبحت هناك شركة استثمارية باسم المؤسسة الإصلاحية. و إذا استمرت السجون في استقبال المزيد من النزلاء المحبطين آو التائهين في دورة الجريمة و العودة لها، ستكون السجون مؤسسة عقابية أكثر منها مؤسسة إصلاحية. و لكن هذا التزايد لا يمنع من خلق الشراكة المبكرة مع السجون لتحقيق هذا المطلب المجتمعي. فالسجين عندما يستعيد حريته يجب أن يستعيد معها فرصته في الحياة الآمنة و الشريفة, وهذا لن يتيسر له طالما أنه خرج من إصلاحية فقط ,لذا أصبح المسعى أن يخرج مؤهلا لسوق العمل ومهذبا لسوق المجتمع, ونافعا للأسرة والمجتمع. وإذا كان رجال الأعمال قد عزفوا عن تحريك مياه الاستثمار الراكدة في السجون بالرغم من نفي الزميل عبدالله بن محفوظ في مدونته لهذه التهمة, فليطرح مشروعاً مثل هذه الشركة للاكتتاب العام من اجل خلق نوع من الشراكة المجتمعية بين أفراد المجتمع و أهل الخير فيه و مؤسسات الدولة مع رجال الأعمال من اجل تقليص أعداد العائدين للجريمة وحماية أسرهم, وكذلك الحد من انجذاب اسر المسجونين نحو ما أسمته مديرة سجون المنطقة الشرقية "بالأموال السوداء" التي تستدرجهم نحو عالم الرذيلة المتمثل في الدعارة والسرقة و ترويج المخدرات. ولعل المشروع يستفيد أيضا من أفكار الأسر المنتجة والاستثمار فيها لكي تطبق داخل سجون النساء, لأن المرأة أصبحت الأكثر حاجة لخلق فرص وظيفية لها سواء كانت داخل المؤسسات السالبة للحرية أوالمؤسسات المقيدة لها .