عندما تذكر مفردة السجن عند الكثير من الناس ترتسم في أذهانهم صورة المؤسسة العقابية فقط ، ولكن لدى الكثير من المختصين من علماء الاجتماع والجريمة أو تحقيق العدالة نجد أنها ترسم لديهم صورة المؤسسة الإصلاحية بالإضافة إلى العقابية. هذا المدخل من اجل التعرف والتفريق في كيفية التفكير والتعامل مع نزلاء هذه المؤسسات فإما معاقبة أو إصلاح عقابي . كما يغيب عن أذهاننا أحيانا ما يدفعه المجتمع من ثمن باهظ لدخول كل فرد إلى السجن ، لذا نحن بحاجة مستمرة إلى دراسات معمقة تكشف عن الارتباطات بين متغيرات السجن ومتغيرات نمو الجريمة في المجتمع بشكل عام وفي السجون بشكل خاص . فهناك من يقول إن دخول ولي الأمر لأسرة إلى السجن يجذب الأموال السوداء إلى استغلال أفراد أسرته لسد حاجة إما بالدعارة أو الترويج للمخدرات أو ارتكاب الجريمة لصالح الغير . وكذلك دخول الفرد للسجن يتعرض لفرص اكبر لأنواع الجريمة اكبر من تلك التي أدت به إلى السجن . وهناك من يعزز نظرة البيئة الإجرامية في السجون بحيث يرى أن الحصول على المخدرات مثلا بات في السجن أسهل من خارجه. بل بالعكس أصبحت العصابات تدار من داخل السجون أسهل . وبالعودة إلى موضوع الاستثمار في السجون أود أن أشيد بتبني مؤسسة الملك خالد الخيرية لدراسة البدائل السالبة للحرية كعقاب للسجناء ، فهي دراسة تدعو لتبني النهج الإصلاحي لا العقابي . وهناك إشادة أخرى بما تقوم به وزارة الداخلية من تحويل السجون إلى إصلاحيات وكذلك موافقة سمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف على جوانب الاستثمار في السجون ، وتعزيز دور القطاع الخاص وإتاحة الفرصة له للقيام بمسؤولياته الاجتماعية . هذا التوجه لا يمكن الحديث عنه في عجالة في مثل هذا المقال ولكن يمكن الاطلاع على دراسات معمقة مثل تلك التي قام بها الزميل النقيب بندر الخرمي وشرفت بالإشراف عليها علميا ضمن متطلبات الحصول على الماجستير في الإعلام من جامعة الملك سعود وهي عن التخطيط الاستراتيجي للاستثمار في السجون . وهي للحق تفتح الآفاق بشكل كبير لقطاع الأعمال وقطاع السجون للعمل في منظومة إصلاحية تقلل من مخاطر الجريمة اللاحقة وتعزز روح العمل والإنتاج في تلك الإصلاحيات بالرغم من كونها في الأساس بيئة عقاب لا إنتاج ، فالتطور الحديث الذي بدأنا نلمسه في الآونة الأخيرة في المملكة برز بشكل واضح في قطاع الإصلاحيات النسائية حيث تعمل المرأة بشكل اكبر في الحقل الإنتاجي اليدوي والذي لا يتطلب مغادرة الإصلاحيات . ومع هذا وإن تطلب الأمر المغادرة فهناك تجارب حالية في السجون السعودية يخرج السجناء للعمل في المصانع المخصصة ويصرف لهم مستحقات مالية تعوض أسرهم وأنفسهم مرارة الحاجة والفقر . ولكن يجب أن نقف بوجه إنساني عند الاستثمار في السجون حتى لا تتحول العملية إلى استعباد وسخرة كما هي الحال في النظام الصيني المعروف ب "لاو جاي " فعمل السجين وإنتاجه في نظرهم هو جزء من عقاب وليس جزءاً من إصلاح ولذا لا يستحق عليه الأجر وإنما الأجر لإدارة السجن او غيرها . والمطمئن ان مؤسساتنا ولله الحمد تسير وفق قواعد مخافة الله عز وجل والتي نلمسها في توجيهات وسلوكيات ولاة أمرنا يحفظهم الله ، ولكن ما اطرحه هنا هو تنبيه لتقليل الممارسات الفردية الخاطئة داخل السجون وتحويلها إلى استثمارات فردية وغير شرعية لبعض السجانين على حساب المجتمع ، فزيادة ممارسة الرقابة والضبط الإنساني فوق العقابي سوف تخرج السجين مؤهلا للانخراط في ذات العمل الذي اكتسبه داخل الإصلاحية بدلا من إطلاق سراحه الى حرية لا تقود إلى مكان غير العودة الى السجن ، ومن هنا أدعو إلى أهمية تبني ضم السجين إلى نظام التأمينات الاجتماعية حتى لا تضيع سنوات عقابه السالبة للحرية الى عقاب سالب لحقه التقاعدي الإنساني .