إن ما قامت به تلك الجهات الحكومية من حجب الوظائف وتوظيف غيرالسعوديين يجعلنا نتفهم نكران القطاع الخاص لحقوق المواطنين، ولا نستنكر رقصه على حاجتهم للعمل مادامت بعض الجهات الحكومية لا تنفك عن ضرب الدفوف... طالعتنا صحف الأسبوع المنصرم بخبر كشف عنه مجلس الشورى عن حجب جهات حكومية ما مقداره 110 آلاف وظيفة شاغرة ، و75 ألف وظيفة يشغلها غير سعوديين، وهذان الرقمان مخيفان ويبعثان على الدهشة والاستنكار الشديد، فكيف يوجد هذا العدد الكبير من الوظائف المحجوبة ولم يعلم به أحد ؟ ألا يعني هذا أن تلك الجهات تساهم في تكريس البطالة ؟ وهل كانت تلك الوظائف ستظل طي الكتمان لو لم يكتشف مجلس الشورى حجبها؟ ثم ما الذي كانت تلك الجهات تسعى إليه من وراء الحجب ؟ هل للحيلولة دون توظيف المواطنين المستحقين ؟ أم للاحتفاظ بها للأبناء والأقارب والأصدقاء وذوي المصالح ؟ وماذا عن المبالغ المعتمدة في الميزانية لتلك الوظائف، هل صرفت، وكيف، ولمن ؟ ثم أليس في هذا مخالفة نظامية ؟ أما الإصرار على توظيف غير السعوديين من قبل تلك الجهات الحكومية مع تفشي البطالة بين الشباب والشابات من المواطنين بما يعادل سبعا وخمسين ألف وظيفة يشغلها غير سعودي، فأمر لا يقره دين ولا وطنية ، أمر لا نجد له تفسيرا سوى الاستخفاف بالمواطنين وعدم أداء الأمانة التي أوكلها الملك إليهم، فصاروا أكبر عائق يحول دون توظيف المواطنين ! ما يستدعي أن يكشف مجلس الشورى عنهم ويرفع بهم إلى الملك لأنهم أساؤوا للمسؤولية التي ألقيت على عواتقهم ، والمركز الوظيفي الذي يشغلونه، ذلك المركز الذي ما أن يتولى زمامه أحدهم حتى يظن أنه ملك خاص به لا ينازعه إياه أحد . أما توظيفهم غير المواطنين فلا يقل فحشاً وعدم وطنية من سابقه ، بل إنه يؤكد تراخيهم في تنفيذ التوجيه الملكي ، ألم يقل الملك ذات خطاب إن الوظيفة تعد شاغرة إذا كان يشغلها غير مواطن مع وجود مواطن يملك التأهيل نفسه ؟ لا يقل أحد من أولئك الموظفين الحكوميين الحاجبين للوظائف لشيء في نفوسهم إنه لا يوجد مواطن يحمل مؤهلات الوافد الشاغل للوظيفة الحكومية ، فتلك أكذوبة يروجها أصحاب المصالح من أرباب العمل الحكومي والخاص ، ثبت فسادها ، واتضحت غايتهم منها وهي الاحتفاظ بالوافد، لكن هذه المرة لأمر بتنا نعرفه جميعا. إن ما قامت به تلك الجهات الحكومية من حجب الوظائف وتوظيف غيرالسعوديين يجعلنا نتفهم نكران القطاع الخاص لحقوق المواطنين ، ولا نستنكر رقصه على حاجتهم للعمل مادامت بعض الجهات الحكومية لا تنفك عن ضرب الدفوف . تلك الجهات الحكومية التي كنا نظن أنها أكثر رأفة وفهما لحق المواطن ، وامتثالا لتوجيهات الملك من القطاع الخاص ، فإذا بها تثبت حبها وولاءها لغير السعودي، وتنكرها لحقوق المواطن . هذا مثال صارخ من أمثلة البطالة التي يكرسها قطاع حكومي، أما المثال الآخر الذي أسوقه هنا ، فهو نموذج من النماذج الكثيرة التي يعج بها سوق العمل ، ذلك القطاع الذي يبدو أنه ما أنشئ من قبل أصحابه إلا لخدمة أنفسهم أولا ثم الوافد ، الذي ما أن يخرج من الباب حتى يدخل قافزا من النافذة ! إذ نلحظ تمسك عدد كبير من المسؤولين في القطاعين الخاص والعام به ، ويتنافس الجميع على توفير فرصة عمل له على حساب المواطن الذي يبدو وهو يتنقل من مؤسسة إلى أخرى وكأنه متسول ، وليس مواطناً له الحق في الحصول على وظيفة ، ذلك الحرص على الوافد من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة، لا نجد ما يماثل أقل القليل منه لدى شركات الاستثمار الأجنبية التي فُتحت لها أبوابنا على مصاريعها كلها، فلم تخجل من تجاهلها لحقوق المواطن بل الوطن الذي أعطاها مالم تكن تحلم به يوما، فأتت بالأقارب والأنساب وكل أهل الضيعة، لأنه لا يوجد في قوانين الاستثمار ما يجبرها على ذلك، وهو الأمر الذي صرح به محافظ الاستثمار نفسه ، مما يدخله ضمن جوقة ضرب الدفوف . ومما يلفت النظر هذه الأيام هو إسناد بعض المهام والأعمال في القطاع الحكومي لشركات القطاع الخاص ، شركات يملكها مواطنون أشد ما يحرصون عليه هو توظيف الوافد على حساب ابن الوطن، ولذا فإن الوافد ما أن ينتهي من جهة حتى يجد أكثر من جهة فاتحة له صدرها، فلا يليق بالكرم العربي أن يبقى طالب العمل غير السعودي يوما دون عمل! إذ يتسابق كثيرون ؛ أيهم أسرع في توفير وظيفة له، وإلا فإن بطالته بين ظهرانينا ستسير بها الركبان ونحن دولة غنية جدا، وبعض من فيها يؤمن كثيرا بفكرة النخلة العوجاء! وهذا الحرص على الوافد هو الذي يقلل من فرص المواطنين، وأدخلهم في دوامة البطالة . يحظى غير السعودي بمعاملة خاصة فينال أعلى الرواتب التي تمثل أضعاف ما يأخذه المواطن حتى وإن كان يحمل المؤهل العلمي نفسه، ففي إحدى الشركات الإعلامية التي تعمل في الداخل يأخذ فني صوت راتبا مقداره 26.250 ريالاً بينما يأخذ مواطن جامعي وهو فني صوت أيضاً 3500 ريالٍ فقط، ويأخذ فني مونتاج سعودي 5.000 ريالٍ، وفني مونتاج وافد 18.750، كما يأخذ مخرج سعودي لأحد البرامج الصباحية المعروفة 3500 ريالٍ، بينما يأخذ فني الإضاءة الوافد أكثر من 26 ألف ريال، وهو راتب يفوق راتب أستاذ الجامعة في بلادنا . فأيّ تميز وترفيه وحظوة لهؤلاء ؟ وأيّ تقاعس عن إعطاء المواطن حقه ؟ وليت الأمر يقف عند حد الراتب الذي يتضاعف ببدل السكن والتذاكر وبدل العلاج أو التأمين الطبي، تلك المفردات التي لا يعرفها المواطن بل وتحرم عليه، أيا كانت درجته العلمية أو رتبته الوظيفية، خصوصا في القطاع الحكومي. فلا بدل سكن ولا بدل علاج ، وهذان الأمران يستنزفان راتب المواطن لاسيما أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تملك منازل، ورواتب المتقاعدين لا يعلم بضحالتها سوى الله . والأدهى من ذلك أن بعض المتنفذين في القطاعات المختلفة لا يتعاطف مع بني جلدته، فالمواطن دوماً يحكم عليه بالكسل والتراخي وعدم الإنتاجية، أما التدريب الذي ينبغي أن يحصل عليه ليطور خبراته فيحرم منه، والخبرة يمنعها عنه الآخر الذي يشكل وجود المواطن خطراً عليه، فيبقيه بعيداً عن اكتساب الخبرة ليكون أمام رؤسائه عبئاً على العمل. وهناك بعض المواطنين الذين لا ينفكون عن تحريض رؤسائهم على المواطنين كما حدث في إحدى الشركات التي تعمل في بلادنا عندما سرحت عددا من المواطنين ، فما كان من المتنفذ السعودي في تلك الشركة إلا أن أصدر وصفة سحرية لرئيس الشركة لمضايقة المواطن ودفعه للاستقالة من تلقاء نفسه، بدلاً من أن تفصله الشركة، فتبوء بإثمه الذي يجبرها على دفع مستحقاته وتعويضه! يقول ذلك المواطن المخلص جداً لبني وطنه ( لافضّ فوه ) ( ...ضرورة الحذر مستقبلاً في التعامل مع قرارات فصل الموظف السعودي، والمشاورة والاستشارة وجمع المستندات اللازمة قبل إخطاره أوعلان قرار فصله، الأخذ في الاعتبار أن هناك وسائل كثيرة تُغني عن الفصل المباشر، وتدفع الموظف إلى الاستقالة عبر النقل إلى مدن أخرى، أو زيادة المراقبة الدقيقة، والتكليف بمهام عمل إضافية، وضرورة التركيز مستقبلاً، على وجود مستندات توثق الحضور والانصراف، والإنذارات ولفت النظر)! حقا إنه أسلوب لايمكن تصور صدوره من مواطن، إذ نلحظ فيه سوء الطوية، والرغبة الجامحة في التضييق على المواطن، ولا ينسى في حومة تحريضه أن تحتاط الشركة لنفسها فتأخذ ما لدى المواطن من مستندات خوفاً من أن يستعملها ضدهم عند استقالته التي يلجئونه إليها، أما التضييق فيتدرج من النقل لمدينة أخرى وفي هذا ما فيه من تعسف، فكيف ينقل مواطن مستقر في مدينة إلى مدينة أخرى رغبة في التضييق وليس لصالح العمل ؟ ثم زيادة المراقبة الدقيقة عليه وتكثيف ساعات العمل الإضافية التي حتما ستكون بلا مقابل إمعانا في التضييق، ثم توثق الحضور والانصراف، والإنذارات ولفت النظر ! إنه أسلوب شيطاني لا يتقنه إلا الذين خلت أنفسهم من أي شعور ديني وإنساني ووطني ، أسلوب لا يجرؤ هذا وأمثاله بل رؤساؤه على تطبيقه مع المواطن الذي لا يوجد من هو أكثر منه مهارة في السيطرة على الجميع . تكمن مشكلتنا في وجود كثيرين ممن يتمادون في مضايقة المواطن؛ لأن قوانين العمل لا تحميه ، وهو دائما المتهم بمجموعة من الأكاذيب التي تحول دون توظيفه، وهناك من يعمل بكل قواه لترسيخ تلك المزاعم . لابد من العمل بقوة لتطبيق سياسات السعودة بحزم، سواء في القطاع الخاص أم العام ، ووضع حزمة من الضوابط التي تضمن حق المواطن، والحد من استقدام الوافدين الذين يزعمون تفوقهم على المواطن، وهنا نستحضر ما قاله أحد الخبراء الاقتصاديين من أن العمالة الوافدة ثلاثة أقسام من حيث التأهيل والكفاءة فهناك ( عمالة عالية التأهيل بنسبة 25 في المئة، وعمالة أمية بنسبة 12 في المئة، وعمالة متوسطة المهارة والتأهيل تمثل 63 في المئة) ! مما يعني أن الأغلبية ليست عالية التأهيل وهذا يسقط كل المزاعم التي يتلطى خلفها أرباب العمل، وغيرهم من الحاقدين كصاحب نصيحة التضييق على المواطن لحمله على الاستقالة من تلقاء نفسه ، وفي هذا ما فيه من تضييع لحقوقه، علما أن تلك الشركة تربح ملايين الريالات من ثروات هذا الوطن، فبأي حق تحول دون توظيف المواطن ؟ وإن وظفته ففي منزلة تقل كثيرا عن غير المواطن، هذا عدا ما ينتظره من درجات العقاب . أوردت اليوم مثالين مما يعانيه المواطن الباحث عن عمل في بلادنا من القطاع الحكومي والخاص، وهنا يحق لنا القول بملء أفواهنا لا عزاء للمواطن! و( إذا كان ربُّ البيت ِبالدفِ ضارباً +++ فشيمةُ أهلِ البيت ِ كلهم الرقصُ ) !!!