تتقاطع تجربة الشاعر بدر بن عبدالمحسن ، باعتباره من مؤسسي الاتجاه التجريدي في كتابة النص العامي ،مع الواقع منهجاً وصورة ، وتحاول من خلال نقاط التقاطع هذه أن تستثمر العلاقة بينهما لصالح الطرفين ، فنراه في كافة قصائده يتأمل الواقع كصورة نمطية ثابتة ويحيله إلى واقع متخيل يعيشه حقيقة ومن ثم يبدأ بنقد الواقع الأصلي وتفتيته وإعادة صياغة بعض جوانبه ليدخل مايتلائم منه مع واقعه الجديد . وممارسة هذا تبدو في القصائد كحالة من التأكيد على أن الشعر لا يمكن أن يكون رصداً فوتوغرافياً للواقع ولا يمكن أن تعطي صوره ذلك المعنى الذي يتشكل في داخل الشاعر ويبحث عن وعي يليق بترتيبه والتعبير عنه . وبدر بن عبدالمحسن انطلاقاً من قصيدة (وترحل ) وعبارة (جدار الورد ، التي ظهرت كغيمة وحيدة في سماء تلك القصيدة )، استطاع أن يطلق شرارة وعيه الأول في فضاء النص الشعري العامي الذي أسس لانطلاقة واعية ونوعية في حضوره آنذاك ، مرورا بتجاربه اللاحقة في (صوتك يناديني ، وقوله :قمرا ورى الليل الضرير، وقصيدة جمرة غضا وعبارة :لليل باب له حارسين ، برد وسحاب .. ) وكذلك قصيدة (أرفض المسافة ) التي شكّلت تحولا جذرياً في مرحلة التجريب الحذر الذي كان يمارسه في بدايات مرحلة الكتابة الخارجة عن مألوف الصور الشعرية والوعي بها ، هذه القصيدة التي أعطت العديد من الشعراء وأولهم (بدر) دفعة نبض جديدة باتجاه أوردة الشعر العامي وفتحت نوافذ الحرية نحو الكتابة النابعة من نظرة عميقة وشمولية للعالم والناس ، وكان بيته الذي منه هذا الشطر:(ما للعمى صبح ولوبات سهران ) نقطة الانتقال إلى استحداث الصورة المستحيلة للتعبير من خلالها عن صورته العامة ليكون شاعر المستحيل الذي يردم فيه فجوات ذلك الواقع . والتجربة الرمزية لدى الشاعر استوحت حضورها الواعي من تجارب فصيحة كانت تتجاور مع تلك المرحلة ، وهي امتداد للتجربة في توظيف الرمز بكافة أنواعه في النص العامي ، كما فعل الأخوين الرحباني ، اللذين انتقل الشعر العامي لديهما ومن خلالهما ، من كونه قولاً شفهياً مباشراً إلى كونه حالة من التعبير الواعي حيناً وغير الواعي أحياناً ، والذي يمثل الطبيعة الإيحائية التي تميّزه ، خاصة وأن الكتابة التي يمكن أن تحدث زعزعة في القناعات المرتبطة بآلية تكوين الصورة والقول الشعري قد بدأت تظهر بوضوح في التجارب الشعرية الموازية في المجال الفصيح ؛ مزيلة تلك القناعات المنطقية في مسألة ضرورة حضور الذهن الواعي في كل تفاصيل الحالة الشعرية . وهذا أيضا ما لا يتوافق مع طبيعة الشعر وتفرّد حالاته وأشكاله. حيث تظهر الانزياحية اللغوية والتصويرية في قصائد (المسافة) ، وفي نصوص أخرى مثل (أرقام ، انتي اللي وحدك ، الجدران ). عبق أخير: تنفّسك روحي.. حتى يصير الصبح شرفه على جروحي!!