تزامن الصيف الماضي مع عودة فريق الكرة الإنجليزي مهزوما من تصفيات كأس العالم مع سياسيات اقتصادية متقشفة وعملية شد لحزام الاقتصاد البريطاني لمواجهة حالة الكساد التي كانت تعم العالم , وقتها استفز البرود الإنجليزي الشهير وأحس المواطن العادي هناك بأنه قد استغفل ولربما طعن من حكومته . كرة القدم، اللعبة ذات الشعبية الطاغية قادرة على التحكم بالمزاج العام , فأفراد المنتخب الإنجليزي آنذاك أطلق عليهم الأسود تشبيها لهم بالأسد الإنجليزي رمز العنفوان والزهو للإمبراطورية القديمة، ومن هناك كانت صدمة الهزيمة التي قد تصبح لاحقا مؤشرا على أن هناك خللا تنظيميا ما يتعلق بالشأن العام الإنجليزي , لاحقا ذكرت بعض الصحف أن ذلك الزهو الإنجليزي المطعون حاولت بعض الجهات في الحكومة هناك أن تضمده ولو بصورة طفيفة وترمم المشهد عبر تسليط الضوء على خطبة ابن ولي عهد بريطاني لاستعادة العنفوان والكبرياء الإنجليزي الذي تحتل الملكية هناك جزءاً كبيرا منه . يقول فيلسوفهم الشهير (برتراند راسل) إن من أهم عوامل توحيد شعب ما وتضامنه هو التفافه ضد (عدو أو تهديد خارجي ) ولعل كرة القدم تختزل هذه المواجهة مع الخارجي، فهي الشكل المطور للمواجهة والنزال والفوز. وبها ومن خلالها يبرز مشروع حضاري كبير يعكس تقدم البلد وتطوره مقارنة بسواه من شعوب العالم . الاشتباكات التي قامت العام الماضي بين المشجعين المصريين والجزائريين حول نتائج مباريات كرة القدم وتطورت إلى مناوشات وحرب إعلامية وتشنجات وصولا إلى البرلمان المصري , لم تكن في مجملها استياء من النتائج , ولكن بالتأكيد في جزء كبير منها ترجع إلى ركام هزائم قومية وحضارية وخيبات ناتجة عن غياب العنفوان والزهو الوطني الذي يؤمن بحلم نهضوي كبير داخل كل من البلدين، ومن ثم ظهر على شكل تشنج وعنف وملاسنة استغرب العالم العربي آنذاك من تورط رموز مصرية كبيرة بها . كرة القدم هي الشكل الإنساني المتمدن الذي يختزل حاجة بشرية طبيعية إلى أحاسيس النصر والغلبة والتفوق على مستوى الأفراد والشعوب, وهي جزء من النشاط والطموح الشعبي حتى وإن اختار البعض أن ينظر لها بفوقية لكنها تظل ذات نفوذ اجتماعي طاغٍ. و حينما أرى أبنائي أمضوا نصف نهارهم وهم يترقبون مباريات منتخبهم الوطني بحماس , وبعد هزيمته ألمح متأسية جزءاً من وطنيتهم يركلها لاعبون خائبون غاب عنهم التنظيم والتخطيط واتسموا بالعشوائية , أشعر بالخذلان والخيبة, وأعلم وقتها أن جزءاً من زهوهم الوطني قد انكسر (هم والعديد من أقرانهم) ومن ضمنهم: أولئك الذين أعدت لهم أمانة العاصمة مشكورة شاشات كبيرة لمتابعة مباريات كأس آسيا ومنتخب لطالما رافقته الهزيمة . كثيرا ما نفسر غياب قدرتنا التنافسية إلى خصوصيتنا ونرجع إحجامنا عن الانفتاح على العالم واستضافة المناسبات العالمية والثقافية الكبرى إلى طبيعة الوطن المحافظة , ولكن في كرة القدم التي يخصص لها مقدرات هائلة أين المشكلة ؟؟ وأعيد في النهاية وأقول إنها ليست مجرد لعبة تركلها الأقدام، بل إنها مرآة بحجم قارات العالم تعكس التطور الحضاري والثقافي وتأهيل المجتمع لشعب ما، والفوز بها هو أكبر بوق إعلامي في العصر الحديث من الممكن أن يمجد بحمدنا .