تستمر خطط التجنيد المتجددة من قبل تنظيم «القاعدة»، وبإعلان الداخلية الأخير في 9 يناير 2011 عن قائمة 47 ملاحقاً في الخارج نقف على قصصٍ أخرى تثري حكاية «تنظيم القاعدة في المنطقة»، درج «القاعدة» على إتحاف الإعلاميين والصحافيين بقصص تجنيد لا تنتهي عند حد، خلال أعوامٍ ثمانية ضمت القوائم الخمس 207 من الإرهابيين المطلوبين، تم القضاء على 46 منهم وسلم تسعة أنفسهم، ومن أبرز التهم التي وجهت إلى المطلوبين خلال تلك السنوات «الانضمام للقاعدة والتدرب على المهارات القتالية، والتغرير بصغار السن، وتسهيل السفر إلى بعض الدول المضطربة، وتوفير الدعم اللوجستي والتقني، والتسلل من الحدود السعودية بطرق غير شرعية». المطلوب أنس بن علي النشوان، «داعية» شبابي، له مقاطع على «اليوتيوب»، وهو داعية رشح للقضاء ورفض الوظيفة مفضلاً الذهاب إلى أفغانستان لمدة عشرة أشهر وبحسب صحيفة «الوطن» 10 يناير 2011، فإن النشوان ألقى في مخيم تابع للمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد في حي النسيم في الرياض محاضرة بعنوان «جلسة شبابية» وذلك في شهر نوفمبر 2009، نعلم من خلال هذا النموذج أن مقولة اللواء منصور التركي لا مبالغة فيها حين قال «لم نعمل ما يكفي لضمان سلامة أبنائنا». ثمة ثغرة عليا في مجال الرقابة على الخطاب الديني المتطرف والذي يتسلل إلى المجتمع بشبابه وفتياته تحت اسم «الدعوة»، تحتاج تلك الثغرة إلى إصلاح ورقابة، أن تجتاح تلك الخطابات عشرات العقول الشابة البريئة تحت اسم الجهاد أو مغالبة الكافرين لغرض ضرب الأمن تلك معضلة كبرة لم نتغلب عليها بعد، على رغم النجاح الكبير الذي حققناه على المستوى الأمني ونسبة نجاح الأمن الحجاجي بالنقاش والتفكير في برامج المناصحة. إنها وسيلة التجنيد الأشد ضراوةً وفتكاً بالمجتمع، حينما يثق المجتمع بفئاتٍ يظنون أنها نخب دينية ثم لا تلبث أن تكشف الأيام عن عوارها الفكري والديني والأيديولوجي، لنعرف بعد طول زمنٍ أن تلك الأصوات ليست سوى فئات انضمت إلى جموعٍ من المطلوبين للسطات المحلية وللشرطة الدولية «الانتربول» حينها لا يفهم الآباء بأي ذنبٍ جُنّد أبناؤهم أو جُندت بناتهم، ينحازون إلى خطابٍ متشدد ويظنون أنهم بانحيازهم هذا يناصرون الفضيلة والحق، لكنهم يفاجأون مع كل قائمة من المطلوبين أن أبناءهم انضموا من دون أي حسابات أو توقعات إلى «قوائم الشر». الأب معتاد بن مقبل المريخان لم يدر بخلده أن ابنه فيصل الذي لم يتجاوز سبعة عشر خريفاً سيكون ضمن قائمة المطلوبين فهو بحسب كلامه «لم يظهر عليه أي أمرٍ مريب يشير إلى انتماءٍ تنظيمي»، وهذا ما قاله راضي صقر الوهيبي عن ابنه عادل (24 سنة)، وهو ما قاله دخي بن نافع الحربي عن ابنه ياسر (26 سنة)، كلهم لم يصدقوا أن أبناءهم انضموا إلى منظّمات التطرف والإرهاب والتخريب!. نجد الجواب لدى اللواء منصور التركي الذي كشف عن وسيلةٍ أخرى للتجنيد غير مسبوقة في تاريخ الجماعات المسلحة الإسلامية في تصريح له جاء فيه «من بين المواقع التي تستغل الفئة الضالة للتجنيد فيها مغاسل الموتى على سبيل المثال، هناك من يزج بصغار السن في مغاسل الموتى حتى يرى الموت وحال الميت وهناك من يحاول التسلل إلى مغاسل الأموات حتى يجد هذا الصغير، وما بلغه من تأثر في محاولة للتغرير به وتجنيده لخدمة أهداف الفئة الضالة.إننا لم نعمل كمجتمع أو كجهات حكومية متكاملة ما يكفي لضمان أن أبناءنا باتوا في منأى عن هذا الفكر». جزء من مشكلة الصحافيين مع القوائم تتمثل في المعلومات عن الأسماء التي تضمها القوائم، والداخلية لا تبخل على الإعلام بالمعلومات، والأخبار التي يلقيها اللواء التركي على الصحافيين ليست سهلة، فهي تضم إشارات ومعلومات وتنبيهات، وربما هي طبيعة تصريحات العارفين ب»بواطن الأمور». يهمني هنا أن أتجاوز ما ذكره زملائي الصحافيين عبر المعلومات العامة لأدخل في تخوم التحليل للمعلومات التي وردت في التصريحات الأمنية. لفت نظري وبدهشة كلام اللواء التركي أن «القاعدة» لن يتردد في تجنيد الأطفال، حتى وإن لم يتجاوزوا الثلاث سنوات. وإذا عدنا لموجة الانفلات في «التبرعات» التي سادت بعد 11 سبتمبر سنجد هذه النماذج ماثلةً. أمام الجوامع في يوم الجمعة وبعد أداء الصلاة، يقف الأطفال أمام الأبواب بحقائبهم على الابواب يجمعون التبرعات، آلاف بل وعشرات الآلاف تجمع في تلك المناسبات إلى أن تم ضبط تلك الممارسات بأنظمة أمنية حسب نظام الجمعيات الخيرية، كما أن اولئك الأطفال أنفسهم تم توظيفهم لجمع التبرعات بعد صلوات التراويح والقيام، نساء يتبرعن بحليّهن بعد أدعيةٍ دامعة، من دون أن يعلمن عن هوية صاحب الحقيبة، وربما حتى إمام المسجد نفسه لا يدري من هذا الصبي الذي يقف أمام البوابة لجمع التبرعات. لكن الناس لحسن ظنهم ولخير يحملونه في أنفسهم يغلبون حسن الظن الضار في مثل هذه المواضع، وهذا الفعل كان أول تجنيد للطفولة في الدعم اللوجستي لأعمال الإرهاب، لنعد إلى بيانات الداخلية سنجد أن جمع التبرعات كان ذراعاً أساسياً لأعمال الإرهاب في الوطن. وبإشارة معلومات الداخلية حول القائمة الأخيرة، نجد أن صفة الجزم بأن هذه القائمة هي الأخيرة ليست أكيدة، وتشير المعلومات إلى تعاطي بعض المطلوبين المخدرات وإدمانهم عليها، والمسؤولية الكبرى التي لم تنضج بعد-في نظري- هي المسؤولية الاجتماعية، وبقراءة أعمق لمؤتمر اللواء التركي الصحافي نعثر على إشارات تدور حول هذا، ومن أبرزها تحذيره من «استخدام الانترنت المنفلت» حيث تستغل المواقع المتطرفة أولئك الزوار الشبان الذين يبحثون عن وسيلة لنصرة صور من الاضطهاد الذي يشاهدونه تجاه بعض المسلمين مثل قضية فلسطين أو غيرها من القضايا ويظنون أنهم بانضمامهم إلى تلك الصفوف سينتصرون لمشاهد العدوان التي يشاهدونها، فيذهبون ضحية التجنيد الاستغلالي، والأسرة تظنّ أنهم يلعبون على جهاز الحاسب بعض الألعاب ثم لا تلبث أن تجد اسم ابنها على قائمة المطلوبين. إن هذه التنظيمات لن تتوانى عن تجنيد النساء والأطفال، والمسؤولية الكبرى على الأسرة والمجتمع، أن نصل إلى مستوى من الوعي نعرف من خلاله أن أبناءنا سواءٌ كانوا صغاراً أو كباراً نساءً أو رجالاً ليسوا بمنأى عن محاولات التجنيد وخطط التدجين، إن هذه التنظيمات تستغل الثغرات الدينية والعاطفية لإدخال أكبر عددٍ ممكن من الأنصار تحت سيطرتها ... فهلا وعينا حجم الكارثة؟!