ورد في الحديث الشريف (ان من البيان سحراً وان من الشعر حكمة) وحرف الجر (مِن) للتبعيض بالطبع، فليس كل الشعراء حكماء، ولكن توجد الحكمة في بعض الأشعار الصادقة.. وحكمة الشعر صنفان: 1- حكمة حارة مؤثرة لأن صاحبها أصدرها عن معاناة مؤلمة وتجربة مؤثرة وموهبة معبرة، فهذه باقية على مر العصور، حتى وان اختلف الناس حولها، مثل حكم المتنبي وحميدان الشويعر. إذا كان رب البيت بالدف ضاربا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص 2- حكمة منظومة باردة صادرة من برج عاجي يراقب فيه الشاعر الحياة والناس ويقيس وقد يحسن القياس ولكنه لم يجرب أو يتأثر مثل حكم ابن دريد في مقصورته وصالح بن عبدالقدوس في أكثر شعره. الأبناء يقول الشاعر القديم: «وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه» وهذا صحيح، فالتربية الحسنة هي (تكوين العادات الطيبة في سلوك النشء منذ الطفولة) مع وجود القدوة الحسنة من الوالدين أما الأقوال التي تناقضها الأفعال فهي (زي قلتها) بل تنقلب صراعاً في نفس الطفل ثم يأخذ بالفعل ويترك القول، (فمن أشبه أباه فما ظلم) كما يقول المثل والشبه ليس بالشكل فقط. قال الشاعر: «إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص» وقال ظفر بن الحرث العبدلي: «وان أحق الناس ان لا تلومه على الشر من لم يفعل الخير والده» وفي الأثر (بروا آباءكم يبركم أبناؤكم). ويقول الدكتور مصطفى السباعي: أعن ولدك على برك بثلاثة أشياء: 1- لطف المعاملة. 2- جميل التنبيه إلى زلاته. 3- وحسن توجيهه إلى واجباته. (التعاون) يقول الموصلي: «وإذا العبء الثقيل توزعته أكف القوم هان على الرقاب» (جمال الرجال) «وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له إذا لم يكن في طبعه والخلائق» (المتنبي) ولعمرو بن معد يكرب: «ليس الجمال بمئزز فاعلم وان كسيت بردا ان الجمال معادن ومناقب أورثن مجدا» ولكن المثل يقول «حسن الصورة أول السعادة» (قناعة المجتهد وقناعة العاجز) وهناك أبيات يرددها الناس وينسبونها للإمام الشافعي (وهي ليست له فقد سبق ان حققت أشعاره في كتيب منشور) وتلك الأبيات تعكس جزءاً كبيراً من الوجدان الشعبي وتتردد كثيراً في قصص (ألف ليلة وليلة) وفيها خصال كريمة من الصبر والكرم والجلد والوفاء والسماحة والرضا والنهي عن الجزع: «دع الايام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء وكن رجلاً على الاهوال جلداً وشيمتك السماحة والوفاء تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء ولا ترج السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء فرزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناء ولا حزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء» والبيت الرابع رائع وصحيح المعنى ولكن المتنبي يقول: «لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والاقدام قتال» وخير الأمور الوسط فلا اسراف ولا تقتير أما البيتان السادس والسابع فليس من الفروسية أو العقل فالله جل وعلا يحض على العمل والسعي في الأرض ابتغاء الرزق والقناعة المحمودة هي التي تأتي بعد بذل الجهد والتفاني في العمل هنا يقنع العاقل بالنتائج، أما قناعة الكسول فهي مذمومة لأنها قناعة العاجز المتواكل. (الذل والعز) «الذل يوريك الهوان وتنتمي إلى أمة في مرتع الذل هايمه وبعدك عن الانذال فيه المعزة في مهمة صيد المها في خرايمه» (محمد السديري) والواقع ان صحبة الأنذال تجلب الهوان.. والوحدة خير من جليس السوء. والعزلة الغالبة قوة.. قال الشاعر: «العز في العزلة لكنه لابد للناس من الناس» والعاقل يختار الناس الفاضلين فإن أجبرته الظروف على الاختلاط بغيرهم لزم التحفظ والمداراة والصمت. (الغرور) والمهلكات إعجاب كل برايه ودخوله القالات ما يعبى لها فإن الغمائض بالقلوب محلها والنفس ما تومن على قتالها» نعم إذا اعجب المرء بنفسه وركب هواه أصابه الغرور الذي هو مقبرة النجاح ومبغضة الناس. (المعاملة) «ومن باع لك قربٍ فبيعه إلى باع قربك، وفارق له فراق الجرابيع! ومن لك مشى شبير فقم وامش له باع وكن للصنيع مكافي للمصانيع (ابن غشيان) (حاجة الكريم إلى اللئيم) «والذي يرتجي الفضل عند اللئام مثل مستفزع صاح في مقبره وآخر من صباخ الثرى منبته لو بذرت الندى في يديه انكره» (حميدان الشويعر) (الفرج) «فلا ساعة قد ضاقت الا وتفترج ولا فات يوم الا والافلاك دايره» (أبو زيد الهلالي)