* مواجهة (المخدرات) عمل وطني يحتاج إلى جهود مخططة تتكامل فيها الأدوار ضمن شراكة مؤسسية تستوعب كل المبادرات. ويسر صفحة أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات أن تعرض أسبوعيا ملمحا عن هذه المشاريع والخطط الجارية لمواجهة هذه الظاهرة وفق الأسس العلمية والمعايير العالمية المعتمدة. استكمالا للحلقة السابقة حول الإستراتيجية الوطنية لدراسة تطوير المناهج الدراسية في مجال مكافحة المخدرات مشروع (المدرسة تحمي المجتمع) بينا من خلاله أهداف ومهام هذا المشروع، نستعرض هذا الأسبوع من المشروع نفسه أسباب الوقوع في المخدرات والآثار الناجمة، فلاشك إن المآسي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن آفة انتشار المخدرات يصعب حصرها، غير أن مكافحة المخدرات وانتشار تعاطيها وترويجها مطلب ينبغي أن تحرص كل المؤسسات الأمنية والتثقيفية والتعليمية على تحقيقه، ولعل من أهم دواعي انتشار المخدرات هو الجهل بأضرارها، والفقر المعوز، وانتشار البطالة بين الشباب الذين هم الهدف الأول لعصابات تجار المخدرات، إضافة للظروف المعيشية الصعبة، كما في ذلك المسلسلات والأفلام السينمائية الهابطة، التي تروجها القنوات التلفزيونية التي تدفع المراهق للتقليد الأعمى في سن المراهقة ولا شك أن تجار المخدرات يسعون بكل الوسائل غير الأخلاقية للإيقاع بأكبر شريحة ممكنة ليصبحوا فيما بعد وسائل بأيديهم أو زبائن لهم، وينبغي ألا ننسى كما أشير سابقاً أن هناك منظمات تسعى إلى نشر الرذيلة والمخدرات بين الشعوب لأهداف سياسية أو ثقافية أو اقتصادية. وتتفق الدراسات التي تناولت مدمني المخدرات على أن المشاكل الأسرية والخلاف بين الأزواج كثيرا ما تدفع بأفراد الأسرة إلى اللجوء إلى المخدرات هربا من الواقع المؤلم الذي يعيشونه ولا يستطيعون مواجهته، كما أن سوء معاملة الأولاد وتدليلهم وتلبية كل مطالبهم وضعف الرقابة عليهم له أثر كبير في لجوء الشباب للمخدرات، وبعض المجتمعات تعاني تفشي ظاهرة العمالة الأجنبية "السائبة" في نسيج المجتمعات والأفراد، وهذه الظاهرة لها دور في انتشار المخدرات ولا شك أن ضعف الوازع الديني والقيمي لدى الأفراد له دور كبير في تعاطي وترويج المخدرات. * أسباب الوقوع في المخدرات هذه بصفة إجمالية بعض أسباب الوقوع في المخدرات: أولاً: سهولة الوصول إلى المخدر: إن وجود المخدر وتوفره وسهولة الحصول عليه مساعد قوي على تعاطي المخدرات والإدمان عليها، ويرتبط توفر المخدر ارتباطاً وثيقاً بالقانون وثقافة المجتمع. ثانياً: الاهتزاز في الشخصية: للشخصية تأثر في تعاطي المخدرات والإدمان عليها، حيث أن عدم تكامل بناء شخصية الفرد يجعله غير مهيأ لحل المشكلات التي تواجهه وقد تدفع بعض العوامل النفسية إلى تعاطي المخدرات ومن هذه الأسباب: الصراع بين التطلعات والطموح والإمكانات المتاحة، الفشل في حل الصراع بالطرائق المشروعة، الإحساس بالاغتراب والقهر الاجتماعي، الرغبة في الاستقرار النفسي. ونرى أن كل هذه الدوافع قابلة لأن تشبع بطريقة إيجابية بعيدا عن التورط في براثن المخدرات، وينشد المتعاطي بتناوله المخدرات جملة من الغايات أهمها: تحقيق الاستقلالية والإحساس بالذات، الإحساس بموقف اجتماعي متميز، الإحساس بالقوة، الإحساس بالانتماء إلى جماعة غير جماعته، التغلب على الإحساس بالدونية، الخروج على القوالب التقليدية للحياة، الهروب من المشاكل، زيادة المرح. وهي غايات لا يمكن إن تتحقق من خلال تعاطي المخدرات، بل إن النتائج تكون أسوأ بكثير، وتزيد الوضع سوءً. ثالثاً: تقصير الأسرة في القيام بمسؤولياتها التربوية: للأسرة دور كبير في تشكيل شخصية الأبناء ومن عوامل التقصير في الأسرة التي تقود الأبناء إلى تعاطي المخدرات ما يلي: الخلافات الأسرية، تعاطي الأبوين أو أحداهما المخدرات، ضعف الرقابة الأسرية، عدم مراعاة الأسرة للخصائص النمائية للأبناء، عدم تبصير الأسرة الأبناء بالخصائص السيكولوجية والاجتماعية لمراحلهم العمرية، سيادة جو من القهر والعنف في الأسرة نحو الأبناء، عدم وجود ثقة بين الآباء والأبناء ما يجعل الأبناء يلجؤون إلى الرفاق، عدم تعزيز القيم الروحية لدى الأبناء وعدم أداء الآباء لواجباتهم الدينية. رابعاً: رفقاء السوء: جماعة الرفاق تشكل بيئة اجتماعية تؤثر في شخصية الفرد من خلال: انتقال الأفكار، تعلم السلوكيات، مجاراة الأصدقاء في السلوكيات، عدم القدرة على الانسحاب من جماعة الأصدقاء رغم السلوكيات السلبية، الانخراط في جماعات يجمعهم السلوك المشترك لرفض المجتمع الفرد المتعاطي. خامساً: الفراغ والجدة: يؤدي وقت الفراع اذ لم يواكبه عقل واع وأماكن ترويحية مناسبة ونافعة إلى الانحراف وتعاطي المخدرات في كثير من الأحيان لأن الفراع مؤثر هام فيما يتعرض له الفرد من الضجر والسأم والشعور بالاغتراب مما يدفع إلى ملء هذا النوع بأي عمل كان، خصوصاً لدى الشباب لما يمتازون به من نشاط وحيوية وطاقة تبحث عن أسباب اللهو واللجوء في كثير من الأحيان إلى المقاهي والسفر إلى المجتمعات التي توفر المخدرات. سادساً: الإعلام المثير: تتصل مشكلة المخدرات بشكل كبير بعمليات التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي يستقيها الفرد من وسائل الإعلام وبخاصة تلك التي تعلم أساليب تهريب المخدرات والاتجار بها أو تعاطيها بشكل يدفع الشباب إلى الاستكشاف والتجربة، ولا ننسى دور المواقع الهابطة على الانترنت في نشر معلومات مشجعة على تعاطي المخدرات. سابعا: ضعف الوازع الديني: يشكل ضعف الوازع الديني دافعاً وعاملاً قوياً من عوامل اللجوء إلى تعاطي المخدرات فالفرد المتعاطي للمخدرات يلازمه التفكير بعدم تحريم المخدرات كما يرتبط هذا بعدم الالتزام بالقيم والأخلاق والعادات الإسلامية السائدة في المجتمع وضمور الوازع الديني ناجم عن ضعف ثقافته الدينية وعدم تمثله ما تغرسه العقيدة في النفس من قيم وأخلاق وجميع مؤسسات المجتمع هي المسئولة عن ذلك. ثامناً: البيئة الاجتماعية السيئة: يتسع مفهوم البيئة الاجتماعية ليشمل المجتمع الذي يعيشه الفرد بما في ذلك بيئة حيث يشكل موقف المجتمع من تعاطي المخدرات عاملاً هاماً من أسباب تعاطي المخدرات وانتشارها فالمجتمع الذي تسوده ثقافة المخدرات تنتشر فيه المخدرات بينما تقل المخدرات أو قد تتلاشى لدى المجتمعات التي تمنع المخدرات ويحرمها الدين كما في المجتمعات الإسلامية، كما تشكل عوامل الفقر والبطالة والعنف وعدم العدالة عوامل تمرد على المجتمع وأسبابا للدخول في عالم المخدرات. أثارها وانعكاساتها السلبية وبعد استعراض لإسباب الوقوع في المخدرات حري بنا أن نتناول أثارها وانعكاساتها السلبية على متعاطيها وذلك على النحو التالي: (الآثار الصحية) فقدان الشهية للطعام ما يؤدي إلى النحافة والضعف العام مصحوباً باصفرار الوجه، وقلة الحيوية والنشاط، وحدوث الدوار والصداع المزمن، واختلال التوازن والتآزر العضلي العصبي، اضطراب وظيفي في حواس السمع والبصر، التهيج الموضعي للأغشية المخاطية للشعب الهوائية، اضطراب الجهاز الهضمي، إتلاف الكبد، التأثير السلبي على النشاط الجنسي، الإصابة بالسرطان، اضطراب في الإدراك الحسي العام، اختلال في الاتزان، اضطراب الوجدان، العصبية الزائدة والحساسية الشديدة والتوتر الانفعالي. الآثار النفسية ومنها اضطرابات الهلوسة والهذاء، اليأس والحزن الشديد، صعوبة التفكير، كساد في القوى الحيوية والحركية، وهبوط في النشاط الوظيفي، قلة النوم، الخوف، الأفكار السوداوية والاكتئاب الشديد، الانفعال والانسحاب من المجتمع، اضطراب الشخصية الفصامية، فرط العاطفة. الآثار الاجتماعية ومنها فقدان التعامل مع الآخرين، فقدان التفاعل في المواقف الاجتماعية مع الأسرة والمجتمع، والقيام بتصرفات لا منطقية لا يرضى عنها المجتمع، وعدم تقدير وجهات نظر الآخرين، ضعف ارتباط الاتجاهات التي يتمسك بها المتعاطي مع اتجاهات المجتمع وغالباً ما تكون سلبية، وعدم قدرة المتعاطي على التكيف مع المجتمع. الآثار الأسرية التفكك الأسري لعدم قدرة المتعاطي على القيام بدوره الأسري، انخفاض دخل الأسرة بسبب ما يعاني منه المتعاطي من بطالة وعدم القدرة على العمل، عدم المشاركة في المجالات الحياتية التي تحقق تماسك الأسرة مثل المجاملات وحل المشكلات الأسرية. الآثار المجتمعية تبديد قوى الأفراد في المجتمع فيما لا طائل منه، إذابة جهود الأفراد وإبداعاتهم الخلاقة، تشتيت الأسر وتحطيمها، وحدوث انفصال أحد الأبوين، انحراف الأبناء عن أخلاقيات ومعتقدات الأسرة والمجتمع، تصدع الوازع الديني، انتشار الجريمة والفساد، والبطالة، والفقر، جعل المجتمعات غير قادرة على الاعتماد على الذات، انتشار أنواع الرذيلة، كثرة حوادث السيارات، خفض التحصيل العلمي للشباب. الأثار الاقتصادية تفشي البطالة والفقر في المجتمع بسبب إنفاق نسبة كبيرة من الدخل في شراء المخدرات، إضافة إلى ركون المتعاطي إلى الكسل وعدم العمل، كذلك يؤدي التعاطي والإدمان على المخدرات إلى فقدان الإنسان دوره في المجتمع واعتماده اقتصادياً على غيره، كما يؤثر تعاطي المخدرات على الوضع الاقتصادي بسبب كثرة التهريب، وهجرة العملة من دون عوائد أو فائدة، كما تقل الإنتاجية، وبالتالي ينخفض مستوى الدخل، وتزداد تكاليف المعيشة، وتحتدّ الفوارق بين طبقات المجتمع، وقد يؤدي تعاطي المخدرات إلى الثراء غير المشروع للمهربين والمروجين مقابل ضعف اقتصاد الدولة وزيادة الفروقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى نقص إيرادات الخزينة العامة للدولة من عائدات الضرائب، ما يؤدي إلى الضغط على العملة المحلية. الآثار العالمية والإنسانية العقاقير المخدرة المحظورة مصدر مهم من مصادر تمويل الإرهاب، وسبب رئيس في عمليات غسل الأموال، وتكديس الأموال بيد فئات معينة نتيجة الاتجار بالمخدرات يجعلهم قادرين على التأثير في أنظمة الحكم، وقد يصلون إلى المراكز الحساسة في الحكومات من غير كفاءة، وقد يتخذون قرارات تسيء إلى أوطانهم، والإنسانية.