بعد أن نشر مقالي السابق يوم الاثنين الماضي وموضوعه كان يدور حول تقلص وتلاشي القيم الأنثوية الإيجابية في المجتمع مما جعل مجموعة من الفتيات تقتص من أنوثتها وتحتقرها وتحاول أن تلغيها هاتفتني إحدى الصديقات معابثة وقالت : - (منذ دخلت أول مؤسسة رسمية في بواكير طفولتي وهي المدرسة ,، وجدت أنها بلا اسم أنثوي بل رقم يشبه أرقام الزنزانات ، وإلى أن تخرجت وأنا تحت مدرسة برقم ، فأين تريدين مني أن أحترم خصائصي الأنثوية من أمومة وخصب وعطاء في هذا الفضاء الذي كان يرسل لي رسالة متصلة من بواكير الوعي بأنك وجود مريب ويبعث على الخزي ولابد أن يختفي ويحجب خلف رقم؟) تزامن كلام الصديقة مع خبر إلغاء إدارة تعليم حائل لقب الطائي من اسم مدرسة هناك ، بزعم أنه كان جاهليا ! وكأنهم هنا يزايدون حتى على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام عندما مدح سفانة بنت حاتم الطائي وطلب من صحابته أن يخلوا سبيلها قائلا: (خلوا عنها فإن أباها كان يحض على مكارم الأخلاق .) هذا الفكر المستريب المغلق على أوهامه هو نفسه الذي لطالما عارض إقامة سوق عكاظ ، بدعوى أنه سوق جاهلي ، وأذكر أن الوالد –أطال الله في عمره- قد حدثنا عن حملة جغرافية كبرى بقيادة علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر –رحمه الله- كانت تهدف إلى تتبع مسيرة جيش أبرهة الأشرم من اليمن إلى مكةالمكرمة ، ولكنها أوقفت بنفس الذريعة السابقة وهي أنها إحياء لطقس جاهلي ، على الرغم من أن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تصف هذه الرحلة وتعكس قدرة الله ضد الطغاة والمتجبرين !! وأعود إلى قضية اسم المدرسة التي استاء قطاع كبير من أهل مدينة حائل من إغفال اسم الطائي، على الرغم من كونه جزءا من تاريخ تلك المنطقة ولن نستغرب أن يطالبوا يوما بنسف جبلي آجا وسلمى لأن بين ربوعهما قامت أحداث وقصص وسير جاهلية . لكن إذا كان البعض مستاء من حجب التاريخ وعسفه بشكل أيدلوجي فج من خلال اسم مدرسة للبنين ، ماذا عن اسماء أمهات المؤمنين، خديجة بنت خويلد ، عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر ، زينب بنت جحش ، أم سلمة ، مارية القبطية وسواهن من أسماء أمهات المؤمنين وكثير من الصحابيات ، التي ألغيت وحجبت وأغفلت وهي بعد فكرة وحجبت عن أسماء مدارس البنات إلى الآن ؟ومابرحت مدارس البنات تحمل أرقاماً إمعاناً في تغييب الهوية وحجبها وجعلها مجرد رقم ، هو نفس الفضاء المشحون ضد المرأة الذي يسمي النساء بالأهل أو أم العيال ، ويرى أن وجودهن هو مصدر توتر وعار يجب أن يكفكف ويدفع إلى أقصى الخلف والصف الأخير من المقاعد . يا أهل حائل أنتم مستاؤون من غياب جزء من اسم بفعل أيدلوجي منظم وتقصد ، فماذا عن مدارس البنات التي أصبح عمرها نصف قرن الآن ، وهي مابرحت أرقاماً مجردة توازي الأرقام التي ترشق فوق بزة السجناء وزنزاناتهم ، لأن الاسم الأنثوي مازال مزعجاً ومهدداً لطمأنينة الفضاء العام .