منح الثقة والمسئولية لأبنائنا في بداية حياتهم، يجعل منهم أعضاء فاعلين في مجتمعهم، أما تجاهل ذلك، فقد يوجِد شباباً يعتمدون على الآخرين في أبسط احتياجاتهم، وهنا الضرورة تتطلب تعويدهم وهم في مقتبل العمر على المشاركة في إدارة شئونهم وشئون أسرهم، ليقوى لديهم الشعور بالانتماء، ويميلوا نحو العمل والإنتاجية. كما أن من الأهمية بمكان أن نستمع لشبابنا ونحاول فهم متطلباتهم ونسعى لتحقيقها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، لكي نصنع جيلاً قادراً على تحمل مسئولياته، ولا نلومه على التقصير ونحن من ساهم فيه. امنحونا الفرصة بدايةً التقينا بالشاب "عثمان الراشد" -كان متحفظاً على ما ينسب للشباب من عدم تحمله للمسئولية-، فقال: شباب الوطن يستطيعون تحمل المسئولية متى سنحت لهم الفرصة، ليكونوا شركاء في صناعة القرار داخل الأسرة وخارجها، مضيفاً: "لكن إذا كان الوالد أو الوالدة لا يمنحون أبناءهم الفرصة لممارسة دورهم قبل كل شئ، إما بسبب الخوف عليهم من مواجهة الحياة الخارجية، أو بسبب عدم الثقة بهم، فإن ذلك بالفعل سوف يخلق جيلاً هشاً، والسبب وجودهم بين والدين لم يستطيعا أن يدركا حاجة أبنائهم لذلك"، مطالباً بإعطائهم الفرص حتى لا يأتي من يتساءل لم لا يستطع شبابنا تحمل المسؤولية؟، وأنا أؤكد للجميع أن الخوف الزائد على الأطفال وعدم تكليفهم بأبسط الأعمال، سوف يوجد أطفالاً يكبرون جسماً وتظل مسؤولياتهم مسؤولية طفل صغير، يخاف عليه والداه من كل شيء، لافتاً إلى أنه في هذا الوقت نسمع بالإحباط في مجالس الكبار، بأننا جيل لا يصلح لتحمل المسؤولية، وهم السبب الرئيس في ذلك، لعدم اتكالهم علينا وبعد ذلك محاسبتنا. وأورد "الراشد" (طرفة) سمعها من أحد أقاربه تروى عن شاب لم يتعود على أن يتولى ولو بعضاً من شئون الأسرة، حيث أرسله والده لشراء بعض احتياجات المنزل ومن ضمنها التمر، فأتى لبائع التمور وسأله: هل أجد لديك تمراً "نصف ونصف"؟، فلم يفهم البائع مقصده، فرد عليه الشاب بعصبية: تمرة نصفها أصفر ونصفها بني!. نحتاج إلى برامج توجيهية حتى لا يقف الشباب متفرجاً على مستقبله! العطف والرحمة وتؤيده المواطنة "هند المطيري" فتقول: بعض البنات تعتمد على الأم في كل شئ، والسبب أن بعض الأمهات بطبعهن يغلب عليهن العطف والرحمة، فأوجدن جيلاً من البنات الاتكاليات اللاتي لن ينجحن في حياتهن المستقبلية، فنرى حالات الطلاق تضج بها قاعات المحاكم؛ بسبب أن البنت عندما تنتقل لبيت الزوجية تتفاجأ بأنها لا تتقن أبسط أبجديات أعمال المنزل، وأقولها بكل أسف نحن نربي أبناءنا على الاعتماد علينا في كل شيء، لذلك ينشأ جيل لا يعرف كيف يخدم نفسه، أو يخدم وطنه ومجتمعه، مبينةً أنه في الدول الأجنبية في حضانات الأطفال، يستغربون جداً من أطفالنا الذي ينتظرون أمهاتهم لكي تربط لهم الحذاء "أعزكم الله " وتخلع له المعطف، ذاكرةً أن الطفل في سن الثلاث سنوات لديهم يعرف كيف يصنع هذا لنفسه، أما نحن فمازالت الشابة تنتظر الخادمة تجهز لها ما تلبس وهي شابة، وتنتظر ما طبخته الخادمة لكي تأكله وربما تدخلت الخادمة في اتخاذ القرار بحسب نوعية الأكل و توقيته. تعويد الأطفال على تحمل المسؤولية يجعلهم أكثر فهماً لظروف الحياة وأضافت تربية الأبناء مسؤولية الوالدين وصلاحهم يرجع للتربية السليمة والثقة فيما بينهم والأهل، متأسفةً على كثرة الشخصيات "الإمعة" هذه الأيام، والتي تفعل ما يمليه عليها الآخرون، وأرى أن هذه مشكلة تتطلب التأمل والعلاج. التنشئة الاجتماعية أما "نوف عنبر" - الاختصاصية الاجتماعية -، فترى أن عملية التنشئة الاجتماعية التي يمر بها الطفل وحتى يصبح شاباً يافعاً، لها دور في عملية البناء وتحمل المسؤولية أمام الآخرين، فعندما نعلم الطفل من البداية تحمل بعض الصدمات النفسية التي قد يمر بها، ونحسن التعامل معها، نستطيع أن نخرج طفلاً سوياً، ومثال ذلك صدمة "الفطام" حيث يجب أن تكون بالتدرج، مضيفةً أنه من الضروري تعويد الطفل على احترام المواعيد من خلال مواعيد الصلاة ومواعيد النوم والاستيقاظ، وكذلك مواعيد اللعب والتسلية، وعندما يكبر نستطيع أن نشركه في بعض الأمور الخاصة بالمنزل، مثل اختيار نوع أثاث غرفته، وكذلك السماح له باختيار ملابسه الخاصة، حيث يجب أن تتوافق مع قيم وتعاليم مجتمعنا الإسلامي، ونسمح له أن يبدي رأيه في بعض المواضيع العائلية، حتى يستطيع صنع القرار، مشيرةً إلى أنه عندما يكبر يجب أن يصبح صديقاً وليس ولداً، حتى يستطيع الوالدان أن يدخلا في أعماقه ويستخرجان ما في داخله. د.سعد الجريد برامج توجيهية وطالبت "نوف عنبر" الجهات ذات العلاقة بأن توجد برامج توجيهية تحث الأبناء على استثمار أوقات فراغهم واستثمارها بما يوجه طاقاتهم، ويشجعهم على تحمل المسئولية وتزويدهم بالمعرفة والخبرة، للارتقاء بمستوياتهم وتنمية قدراتهم، قبل انخراطهم في حياتهم العملية، لكي لا يقف المجتمع على جيل من "الاتكاليين" الذين يكونون عبئاً عليه في كافة أموره، ذاكرةً أنها تريد أن يتعلم أطفالنا الاعتماد على أنفسهم والاستقلال عن الآخرين في قضاء حاجياته، وهذه مبادئ تربوية رئيسة ومهمة في تربية الطفل يجب أن يتعلمها في البيت قبل المدرسة، لافتاً إلى أن المجتمع أمام مسئولية كبيرة وهي تدريب الطفل على الاعتماد على النفس، وهذا النوع من الفكر التربوي غير متواجد بالشكل الذي ينبغي في تربية أبنائنا في عالمنا العربي، فلا يلقى الاهتمام الكافي بتدريب الأبناء عليه منذ الصغر، ونتيجة لذلك يشب أولادنا غير متحملين مسؤولية أنفسهم، وغير معتمدين على أنفسهم الاعتماد الكافي. عثمان الراشد تأثير الوالدين ويرى "د.سعد الجريد" الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أهمية تأثير الوالدين في حياة أبنائهم فيقول: إن للوالدين تأثيرا حسنا، يتبين من خلال شدة تعلق الطفل بهما، مما يجعله يستحسن أي شيء يصدر عنهما، كما أن الوالدين يُعدان قدوة لأطفالهم، فإذا رأى الطفل والده لا يصلي صلاة الجمعة مثلاً، فإن الطفل بطريقة تلقائية لا يشعر بأهمية المسجد في حياته بل ربما لا يحب الصلاة، وكلما رأى والده أو والدته يمارسان سلوكاً سيئاً أو معصية، فإن الطفل يفعل ذلك مقلداً لهما، ولا يجد بأساً في ذلك الفعل، ذاكراً أنه إذاً أهمل الوالدان توجيه الطفل وتركاه هملاً، فإنه ينشأ على ما كان عوده أبواه عليه. أفخر بهؤلاء وتوضح الكاتبة "شريفة الشملان" أن لدينا شباباً يعتمدون على أنفسهم، ويتحملون المسئولية، وقد يعولون أسرهم وهم في بداية حياتهم، مضيفةً: "عندما أتبضع من سوق الخضار أشعر بالفخر، بوجود شباب يعرف كيف يتعامل مع الزبون، وكيف يكسبه، متخذين القاعدة المعروفة الزبون دائماً على حق، فقد تربوا منذ الصغر على تحمل المسئولية"، ذاكرةً قصة زميلتها زوجة تاجر عقار وأم لطفلين، كان الكبير في التاسعة من عمره والبنت في السابعة، كان ابنها صيفاً يعمل في تنظيف "الروبيان"، يكسب ما بين خمسين ومائة ريال في اليوم، وعندما انتهت العطلة الصيفية كان مكسبه يقارب تسعة آلاف ريال أودعها البنك كتوفير، وأصبح يضيف عليها ما يكسبه من غسيل سيارات أبيه وأعمامه، ليتحمل نتيجة لذلك مصروفه اليومي مع ما يوليه من رعاية لأخته بهدايا المناسبات أو بالإجازة الأسبوعية، مؤكدةً على أن المسئولية وتحمُّلها يحتاج إلى تربية وتعويد منذ الصغر، وهذا التعويد والتربية لا يغرس في يوم أو يومين، إذ أن الطفل الذي لم يتعود تدريجياً على تحمل المسئولية، لن يكون مستقبلاً رجلاً ناضجاً يتحمل تربية أطفال ومراجعة مدارسهم ومواصلاتهم ومعيشتهم وما إلى ذلك. نماذج عجيبة وغريبة وذكرت "شريفة الشملان" أنه عندما نتحدث عن الشباب والمسئولية فإننا لا نقصد بكل تأكيد كل الشباب، ولكن البعض الذي لا يتحمل المسئولية ويتنصل منها، وأمثلتهم كثيرة، مبينةً أنه مر عليها أثناء عملها في الشئون الاجتماعية نماذج عجيبة وغريبة من اللامبالاة، وعدم تحمل المسئولية، فهناك آباء لا يعبأون بتسجيل مواليدهم في السجل المدني، ثم يهربون تاركين الأمهات يبحثن عمن يسجل لهن الصغار، وهناك آباء لا يعلمون شيئاً عن دراسة أبنائهم ولا عن مشاكلهم الدراسية أو المعيشية، وبالطبع هنالك أمهات على نفس الدرجة من عدم الاهتمام، وعن أهمية منح الأبناء الاستقلالية والشعور بالمسئولية قالت "شريفة الشملان": يجب أن نقف لنعيد حساباتنا، هل كنا نعطي لأبنائنا بعضاً من مسؤولياتنا؟، فمثلاً: هل عودنا الابن منذ الصغر على عمل ميزانية خاصة له يسير بموجبها، ويتحمل نتائج عدم تنظيمها؟، وهل عودناه أن عليه تحمل نتائج أخطائه؟، مشيرةً إلى أن هناك أشياء صغيرة لابد أن يتعود عليها الفتى حتى يكون أهلاً للمسئولية، وهذه الأشياء في البداية تكبر معه، ويكبر هو وقد ألف كيف يكون مستقلاً ومسئولاً، وكيف يكون رب عائلة، وأيضاً موظفاً ملتزماً ويتقدم، لا موظفاً غير مبال.