هل التجارة الإليكترونية وتطبيقاتها مفيدة في المملكة ؟ قد يبدو هذا السؤال غريباً، فما الذي يميز المملكة عن باقي دول العالم لتستغني عن التجارة الإليكترونية وتطبيقاتها؟! طرحت هذا السؤال لأنه ظهر لي - من خلال دراسة بحثية - غياب الدور الحكومي في دعم التجارة الإليكترونية وتطبيقاتها في المملكة، دعونا نبدأ بالتحدث باللغة البحثية ليتبين للقارئ مدى وجاهة هذا السؤال والموجه أصلاً للجهات الحكومية التي يفترض بها دعم تطبيقات التجارة الإليكترونية في السعودية، فقد ظهر لي وفق المعلومات التي تحصلت عليها - كباحث - أن الجهات الحكومية السعودية التي يفترض بها دعم التجارة الإليكترونية تعتبر هذا الحقل جانبًا تكميليًا أكثر من كونه حاجةً أساسية يتطلع لها المواطنون والمقيمون وذلك للسببين التاليين: أولاً: في عام 2001 أنشأت وزارة التجارة السعودية لجنةً دائمةً باسم (اللجنة الفنية الدائمة للتجارة الإلكترونية)، وقد أصدرت هذه اللجنة كتيبًا بعنوان: (التجارة الإلكترونية في المملكة.. انطلاقة نحو المستقبل)، والذي تضمن معلومات عن أهمية التجارة الإليكترونية وبعض الإحصائيات التي تبين أهميتها وحاجتها؛ وهذا كل ما تجده حول التجارة الإلكترونية على الموقع الإليكتروني لوزارة التجارة السعودية. أرسلت العديد من رسائل البريد الإليكتروني "للايميل" الرسمي لوزارة التجارة والوحيد الموضح على موقعهم ([email protected]) لطلب معلومات بحثية والاستفسار عن وسيلة اتصال ب (اللجنة الدائمة للتجارة الإليكترونية) أملاً في الحصول على معلومات موثقة (مكتوبة)؛ ولكن للأسف لم أجد أي رد بهذا الخصوص!. بعد ذلك أجريت سلسلة اتصالات هاتفية –من مقر دراستي بأستراليا- بوزارة التجارة للبحث عن مصير هذه اللجنة، فتبين لي أن الموظفين الذين اتصلت بهم لا يعرفون شيئًا يتعلق بالتجارة الإليكترونية في وزارتهم، ولا يعرفون أن هناك معلومات تتحدث عن التجارة الإليكترونية على الموقع الإليكتروني لوزارتهم! ووجدت الإجابة أخيرًا عند شخص يعمل في الوزارة (أحتفظ باسمه) فقد أخبرني بأن مهام الإشراف على التجارة الإليكترونية انتقلت من وزارة التجارة منذ عام 2005 تقريبًا إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات التابعة لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لتداخل المهام. تعجبت عندها من عدم تحديث الوزارة للمعلومات الواردة على موقعهم الرسمي والإفادة بأن مهام الإشراف انتقلت لجهة أخرى!. إلى هنا انتهت رحلتي مع وزارة التجارة. ثانيًا: في عام 1426ه أصدرت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وثيقة الخطة الوطنية لتقنية الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية، وبرؤية مستقبلية تهدف إلى «التحول إلى مجتمع معلوماتي، واقتصاد رقمي، لزيادة الإنتاجية، وتوفير خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات لكافة شرائح المجتمع، في جميع أنحاء البلاد، وبناء صناعة قوية في هذا القطاع لتصبح أحد المصادر الرئيسة للدخل»، وتأتي سبعة أهداف عامة لتخدم التوجه لهذه الرؤية، وتتضمن الأهداف العامة 26 هدفًا فرعيًا، و 62 سياسة تنفيذية، و 98 مشروعًا؛ للوصول إلى الرؤية المستقبلية. ومع الجهود الواضحة والملموسة في بناء هذه الخطة إلا أنها تفتقر إلى مشاريع محددة تخدم دعم نشر التجارة الإليكترونية وتطبيقاتها، إذا أنَّ جُلَّ المشاريع متركزة على الحكومة والتعليم الإليكترونيان وتطبيقاتهما، وقد تشترك بعض هذه التطبيقات مع تطبيقات التجارة الإليكترونية ولكن هناك خصائص تنفرد بها تطبيقات التجارة الإليكترونية يجب أن تؤخذ بالحسبان. سعيت منذ أسبوعين للاتصال بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وأيضًا هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عن طريق نموذجي الاتصالين الإليكترونيين الموفرين على موقعيهما الإليكترونيين؛ بحثًا عن أي معلومات تقودني للجهة الحكومية المشرفة والداعمة للتجارة الإليكترونية وتطبيقاتها، ولكن للأسف لم أحصل على رد إلى الآن!. ولنا مع البريد السعودي وقفة؛ فمنذ تأسيس البريد إلى عام 2005 عاشت المملكة العربية السعودية غيابًا لخدمة أساسية لعنونة المنازل وتوصيل الخدمات البريدية لها، ومنذ العام 2005 أقر البريد خطة نظام العنونة وإيصال الخدمات البريدية للمنازل. وقام بجهودٍ –مع أنها متأخرة- إلا أنه يُشكر على هذا التحرك. فمع جهوده في خدمات واصل، وإطلاق موقع التسوق الإليكتروني (E-Mall)، لا يزال البريد السعودي مطالبًا بالمزيد من الجهود، فنظام العنونة لم يشمل جميع مناطق ومدن المملكة، وعدد المشتركين في خدمة إيصال البريد للمنازل (واصل) الذي بلغ أكثر من نصف مليون إلى الآن -أي ما يقارب 2% من عدد السكان- يظل ضعيفًا. فهذا العدد مع أن الخدمة مجانية مؤشر على أن مزيدًا من الجهود مطلوبة في هذا الصدد، فمن خلال عينة البحث التي أجريتها ظهر لي بأن هناك من لا يعلم شيئًا عن خدمات إيصال البريد للمنازل، بالمقابل ظهرت عينة لا تثق بخدمة واصل؛ ما يتطلب البحث عن المزيد من الحلول لنشر هذه الخدمة الأساسية على نطاق واسع. ومنذ أسبوعين اتصلت بالبريد السعودي عن طريق نموذج الاتصال الإليكتروني للبريد السعودي؛ للحصول على معلومات للأغراض البحثية، ولكن للأسف لم أجد أي تجاوب إلى الآن!. بعد هذه العرض البحثي؛ يظهر جليًا غياب الدور الحكومي في دعم التجارة الإليكترونية وتطبيقاتها في المملكة، وهو ما يعلل –كما ظهر من خلال سلسلة المقابلات التي أجريتها لعينة البحث- تشديد الشركات التجارية والمواطنين في المملكة لأهمية وجود دور حكومي فاعل يتضمن دعم ورقابة لأنشطة التجارة الإليكترونية بالمملكة وسن أنظمة وقوانين تنظِّم حركة أعمالها للحد من الغش التجاري الإليكتروني ورقابة السوق الإليكتروني. وفي ختام هذا العرض، يأمل الباحث من الجهات الحكومية المعنية في هذا العرض بالتجاوب مع اتصالاته من خلال البريد الإليكتروني للحصول على معلومات للأغراض البحثية. كما نحب أن ننوه بأن على الجهات الحكومية بالمملكة أن تتيح المزيد من المعلومات عن أنشطتها، وخصوصًا العقبات والصعوبات التي تواجهها، والتعاون مع الباحثين بالإفصاح عن المعلومات السلبية والمشاكل التي تواجههم وذكرها في تقارير دورية ونشرها على مواقعهم الإليكترونية؛ ليتسنى للباحثين البحث عن حلول لهذه المشاكل ومساعدتهم على تجاوزها؛ بما يعود نفعه أولاً وأخيرًا على وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية. * مبتعث حاليًا لإكمال درجة الدكتوراه في جامعة "جريفث" بأستراليا