مطار الملك عبدالعزيز، الذي يشغل مساحة تزيد على المائة كليومتر مربع، شمال مدينة جدة على أرض مستوية، تتطلبها مدارج المطارات الحديثة، التي قد يصل الواحد منها إلى نحو خمسة كيلومترات طولاً، جاء تنفيذه في فترة السبيعنيات الميلادية، بعد مرحلة الطفرة في إنشاء المطارات بالعالم خلال الستينيات، نتيجة النمو والازدهار في حركة النقل الجوي بالطائرات النفاثة ذلك الوقت والذي جعل عدد المطارات حول العالم يقفز بشكل كبير، ليصل حالياً لأكثر من أربعة وأربعين ألف مطار، تهيمن الولاياتالمتحدةالأمريكية على النسبة الأعلى منها بمقدار 43%، بينما لا يمثل عدد المطارات السبعة والعشرين التي لدينا سوى نسبة ضئيلة جداً من إجمالي تلك المطارات، ما يعني أن الظروف منحت مطار الملك عبدالعزيز ميزة أن يحظى بأفضل الأساليب والتقنيات الحديثة لإقامة المطارات في تلك الفترة المزدهرة، إلا أنه لم يتحقق ذلك، حيث ظل هذا المطار وعلى مدى الثلاثين عاماً من تشغيله يعمل بكفاءة أداء متواضعة إن لم تكن متدنية، لسببين تصميمين رئيسيين الأول هو التأني في الفصل بين الصالتين الرئيستين بالمطار، الجنوبية المخصصة لشركات الطيران المحلية، والشمالية المخصصة لشركات الطيران الأجنبية، والمسافة الكبيرة التي تبعد بينهما البالغة نحو عشرين كيلومترا، وعدم وجود وسيلة نقل سريعة تربط بين صالتي السفر هاتين أما الثاني فهو افتقار صالتي السفر الرئيسيتين في المطار للجسور التي تربط بين بوابات السفر في تلك الصالتين والطائرات التي تقل المسافرين، من وإلى المطار، والاعتماد بشكل كلي على الحافلات في نقل المسافرين من وإلى تلك الطائرات، في الأجواء المتباينة في المدينة على مدار العام، والمعاناة التي يتعرض لها المسافرون على الرحلات الطويلة أو حتى القصيرة، من جراء عملية الانتقال بتلك الحافلات التي تجاوزها الزمن في نوع الخدمات التي تقدمها أكثر المطارات الدولية تواضعاً في إمكانياته. التصميم او التطوير الجديد لمطار الملك عبدالعزيز، يبدو أنه عمل على تفادي تلك السلبيتين حيث جمع صالات الركاب في منشأة واحدة، تظهر للقادم جواً على شكل أربعة أهلة، ترمز للدور الأساسي للمطار، وهو استقبال الحجاج والمعتمرين والزوار للمشاعر المقدسة، وذلك بمساحة تبلغ 670 ألف م2، تفوق في سعتها صالة الحجاج الحالية في ذات المطار، التي تعد من حيث المساحة رابع أكبر صالة ركاب في العالم، إضافة إلى إيجاد 96 جسراً مرتبطاً بنحو 46 بوابة، لعبور المسافرين من الطائرات لصالات المطار والعكس. إن التطوير الجديد لمطار الملك عبدالعزيز، الذي سيتم تنفيذه على مدى الثلاث سنوات القادمة والذي يهدف إلى رفع الطاقة الاستيعابية للمطار، من حوالي 13 مليون مسافر سنوياً في الوقت الحاضر، إلى نحو 30 مليون مسافر في العام، والتغيير في الهيكل التنظيمي للمطار، الذي سيمتد لبقية المطارات الأخرى في المملكة، ليكون شركة عامة مستقلة مملوكة للدولة، بما يمكنها من العمل وفق أسسس تساعدها في الاعتماد على عوائدها الذاتية، من خلال الاستعانة بشركات عالمية متخصصة في التشغيل التجاري، للرفع من كفاءة المطار وتحسين مستوى خدماته للمسافرين، ينطلق بلا شك من اعتبار المطار البوابة الرئيسية للحرمين الشريفين، إضافة للدور الذي يؤديه المطار في دعم البنية الاقتصادية للمملكة بوجه عام، ومنطقة مكةالمكرمة على نحو خاص، وما سيوفره من فرص عمل كبيرة للمواطنين، إلا أن من العناصر الأساسية التي يؤمل أن تؤخذ في الاعتبار عند تطوير منشآت المطار الحالي، هي التكامل في شبكة النقل داخل المطار، مع شبكة النقل العام في مدينة جدة، لا سيما وأن المطار يحتل حالياً جزءاً رئيسياً من المدينة، حيث يمتد في قلبها بما يزيد عن عشرين كيلومتراً طولاً، وخمسة كيلومترات عرضاً، وبالتالي يمثل مانعاً جوهرياً في امتداد محاور الربط بين جنوبالمدينة وشمالها، مما يحتم ضرورة العمل في هذه المرحلة لتسهيل ظروف ذلك الربط مستقبلاً، من خلال وسائل النقل المتاحة في المدينة، وتيسير مرورها عبر أرض المطار، أما العنصر الأساسي الثاني، والمرتبط كذلك بموقع المطار في وسط مدينة جدة، فهو الجانب البيئي وتأثير أعمال التوسعة للرفع من الطاقة الاستيعابية للمطار، وتحقيق إمكانية استقبال الجيل الجديد من الطائرات على زيادة الضوضاء، وانعكاس ذلك على المناطق المحيطة بموقع المطار بشكل خاص لا سيما وأن المطار سيتم التعاقد في تشغيله، وفق ما نشر في وسائل الإعلام، مع شركة (فرابورت) التي تقوم بتشغيل مطار فرانكفورت الألماني، والتي لها تجربة ثرية في هذا الجانب، حيث خصصت الشركة في إطار أعمال التوسعة وأعمال البناء في مطار فرانكفورت لتبلغ طاقتة الاستيعابية أكثر من ثمانين مليون مسافر سنوياً عام 2020م، حافلات لإعلام السكان المقيمين في المناطق المحيطة بالمطار بهذه التوسعات وأعمال البناء الجديدة، وذلك لطمأنة أولئك السكان، بأن هناك قيوداً شديدة لضمان حماية البيئة، وعدم الإزعاج، وأتاحت خطاً ساخناً للرد على أي تساؤلات بهذا الخصوص، فهل تقوم بذات الدور في أعمال التطوير الجديدة بمطار الملك عبدالعزيز..؟ نأمل ذلك.