من نقائص عصرنا الحالي وسيّئاته ، أن جعل الكثير منا يميل إلى ملازمة المنزل ، ويعمل جهده على أن يتفادى الخروج ، خصوصا المتقاعدين . فالشارع ازدحم ، والمشي على الأقدام قلّ، وتوارى الدافع للخروج . وقد لا يكون التقاعد سببا وحيدا ، فبعض الناس الآن يحب البقاء في المنزل . وأهل الشام يسمونه « بيتوتي « . وكان الرجل في بلادنا يلتزم بالخروج . إلى سوق البيع والشراء، إلى مجلس الحارة ، إلى دكان قريب أو صديق أو جار. التزم بتلك العادة وقيّد بها ، لدرجة أنه لو افتقد يوما من السوق لسأل الناس عنه وربما ظنوا أنه أصابه مكروه . ومن بين الأماكن التي كان الناس يكثرون الترداد عليها مرة في اليوم أو مرتين « المجلس « وهو الساحة في الحارة . وكذلك عرف الآباء « العاير « ، وهو نقطة التقاء شارعين أو أكثر . يلتمس الناس فيه أخبار الديرة وأنباء بعضهم . كذلك فمن خلا مكانه في العاير يُسأل عنه ، وكأن الأمر التزام لا يُسمح فيه بالتقاعس . الحالة تلك موجودة في الشام والعراق ومصر فعندهم المقهى الشعبي الذي لا يكاد يخلو من رواده . وقد كان المقهى الشعبي ينبوع أدب وشعر وروايات وحوار واتفاق واختلاف . يقابل ذلك في الغرب (إنجلترا) حانات الحيّ التي يرتادها من يعرفون بعضهم من أهل الحارة (ويقول الإنجليز إنها لا تصلح للغريب لأن الحديث داخلها محلّي أو أهلي) وفي الأدبيات وما يُنسب إلى أبى الأسود الدؤلي أنه لما كبر أصرّ على أن يزاول الخروج إلى المسجد والسوق وزيارة أصدقائه فقال له رجل : - يا أبا الأسود ، أراك تُكثر الركوب وقد ضعُفت عن الحركة وكبُرت ، فلو لزمتَ منزلك لكان أودع لك . فقال له أبو الأسود : - صدقتَ ، ولكن الركوب يَشد أعضائي ، وأسمع من أخبار الناس مالم أسمعهُ في بيتي ، وأستنشق الهواء ، وألقى إخواني . ولو جلستُ في بيتي لاغتمّ أهلي وآنس بي الصبيّ واجترأ عليّ الخادم ، وكلّمني من أهلي من كان يهاب كلامي ، لإلفهم إياي وجلوسهم عندي . ولعلّ العنزات تبول عليّ فلا يقول لها أحدٌ : هش . الشاعر حميدان الشويعر رحمه الله ( ت 1188 هجريه امتدح « مانعاً « في فحولته لكنه بخل عليه في « مماشي الرجال « الثانية حيث قال : وعندها رجلٍ ثورٍ جيدْ أجمّ يرعى في هوْرهْ أقصى ما يبعد للطايه والمطبخ وْردهْ وصدوره