يبدو أن المخاوف من نشوب حرب عملات بين الاقتصاديات المؤثرة في العالم، ستصبح خلال الأيام المقبلة الهاجس الأول ليس على المستوى العالمي فحسب وإنما حتى على المستويات الاقتصادية الكبرى في منطقة الخليج، وذلك وسط مساعي الدول الكبرى في العالم كل على حدة إلى إضعاف عملتها من أجل زيادة صادراتها. وعلى المستوى المحلي، أعرب البنك السعودي الفرنسي في تعليق مقتضب أعده كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدكتور جون اسفيكياناكيس، عن أمله في قدرة القادة الأوروبيين باحتواء كافة المخاطر التي من شأنها أن تؤدي إلى أزمات جديدة، وأن يتم العمل في هذه المرة من خلال السياسات النقدية لاحتواء كافة المخاطر المحتملة. وقال الدكتور اسفيكياناكيس: "لا اعتقد أن مثل هذه الحرب قد بدأت بالفعل، لكن على جميع الدول ان تتجنب وقوع حرب عملات منعاً لاستمرار أزمة الركود العالمي والذي من شأنه أن يلحق مزيدا من الضرر في الاقتصاديات العالمية، معربا عن ثقته بأن القادة الأوروبيين الذين يتذكرون ما ترتب على كافة الاقتصاديات العالمية جراء خفض الجنيه الإسترليني عام 1930م، ملتزمون باحتواء كافة المخاطر التي من شأنها أن تؤدي إلى أزمات جديدة، وأنهم سيعملون هذه المرة من خلال السياسات النقدية لاحتواء كافة المخاطر المحتملة". وتابع: الدول ذات الفوائض التجارية الضخمة مثل الصين واليابان تعملان الآن على منع ارتفاع عملاتها كوسيلة لزيادة الصادرات وللخروج من الأزمة الاقتصادية، لكن هذا التنافس لخفض العملات سيساهم أيضاً في زيادة عدم الاستقرار للعملات على الصعيد العالمي، كما سيضعف الدول الأخرى الملتزمة بالبقاء خارج هذا السباق المحموم. وتأتي تعليقات كبير خبراء البنك السعودي الفرنسي عقب سلسلة من التحذيرات من جانب صناع السياسة العالمية من أن العالم يتجه صوب حرب عملات، أو أنها نشبت بالفعل إذ تحاول حكومات خفض سعر صرف عملاتها لجعل صادراتها أكثر تنافسية. ومنتصف الشهر الماضي، حذر مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، من أن المخاوف من نشوب حرب عملات بين الاقتصادات المؤثرة في العالم يشكل تهديدا لانتعاش الاستثمارات العالمية، موضحاً أن نزاعات الدول حول سعر صرف العملة من شأنها أن تضيف متاعب إلى حالة عدم اليقين التي تدفع المؤسسات التجارية للإحجام عن الاستثمار في الخارج. على صعيد متصل، شدد الدكتور اسفيكياناكيس على ضرورة إصلاح صندوق النقد الدولي "بشكل جذري" بعد أن أكدت تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المتواصلة عدم وجود آليات دولية لمنع وقوع الأزمات التي تهدد الأنظمة التجارية والاقتصادية. وأضاف: "الاتفاق على إصلاح صندوق النقد الدولي سيؤدي إلى المزيد من الفاعلية في عمله ومصداقيته، كما سيمكنه من أداء المهام المناطة به لتعزيز أداء النظام النقدي والمالي العالمي، حيث يمكن للصندوق العمل مع كبار المديرين الماليين في العالم لكن بشرط أن تفسح الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة المجال له وهي التي ظلت (أوروبا وأمريكا) تقف ضد تبني أي ميثاق لضمان استقرار التجارة العالمية، بهدف الحد من عجز الموازنات وفوائض الحسابات الجارية إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة". ويمكننا القول إن عصر إملاء الأوامر قد ولى، كما أن أوضاع أعضاء مجموعة العشرين تغيرت الآن ولم يعد بالإمكان تبني حل واحد لمشكلات الاقتصاد العالمي في عالم اليوم. وأكد الدكتور اسفيكياناكيس، على ضرورة مراقبة العجز المالي والتجاري لكل دولة، ويمكن لصندوق النقد الدولي القيام بهذا الدور، وأن صندوق النقد الدولي مطالب بإصلاح كامل يعيد الدول الناشئة إلى النظام الاقتصادي العالمي ويجعلها خاضعة للمحاسبة حيال النتائج السلبية لبعض مواقف الدول، مقابل حوافز لاستهلاك منتجاتها في أسواقها الداخلية، كما يمكن لتلك الإصلاحات أن تتضمن خططاً لدفع الولاياتالمتحدة لإنتاج المزيد من السلع والخدمات. وكانت مجموعة العشرين قد تعهدت الاسبوع الماضي، بتجنب حرب العملات، كما أقرت تشديد القواعد المنظمة للنظام المالي العالمي، بيد أنها أخفقت في المقابل في الاتفاق على آلية لكشف الاختلالات التجارية العالمية. وتعهد قادة المجموعة -التي تمثل الاقتصادات المتقدمة والصاعدة- في البيان الختامي لقمتهم التي عقدت مؤخراً في سول بالمضي قدما نحو توفير أنظمة لأسعار الصرف تحددها قوى السوق، وبتعزيز مرونة العملات بما يعكس العوامل الاقتصادية الأساسية، كما أعلنوا أيضا التزامهم عدم خفض أسعار صرف العملات بهدف تعزيز القدرة التنافسية. وكان قد سبق القمة جدل ساخن بين الصين والولاياتالمتحدة بشأن أسعار الصرف، بل إن هذا الجدل استمر حتى خلال، وبينما تقول واشنطن إن الصين تتعمد إبقاء خفض قيمة عملتها (اليوان) لتعزيز صادراتها على حساب شركائها، رأت بكين في القرار الأميركي الأخير ضخ 600 مليار دولار لتنشيط الاقتصاد تلاعبا بالدولار، وهو ما نفاه الرئيس الأميركي باراك أوباما.