في التشريع الإسلامي الجهاد الأصغر مقيد ومشروط ولابد أن يتحقق به الكثير من الضوابط، على رأسها إعلان النفير والخروج من قبل ولي الأمر، ومتى قام به البعض سقط عن الآخرين، وسواها من أحكام الجهاد , لكن الجهاد الأكبر وهو موضع التكليف الإلهي للخلائق هو للعموم ممن هم في موضع التكليف لايستثنى منهم أحد, وهو ذروة سنام الجهاد، مجاهدة النفس التي زين لها حب النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، لكن الله عنده حسن المآب. والتقوى أو معركة الإنسان مع شهواته ومغادرته الدرك الحيواني باتجاه الفضيلة، هي محك التكليف وهي التي تقود اتجاه المروءة وتمام الإنسانية . وظلت الفضيلة عبر التاريخ أحد تجليات الجهاد الأكبر وهي خيار شخصي لايساق له الشخص بالعصا والإرغام , فالجباه الإنسانية تتأبى عن العنف والإذلال وامتهان صاحب الأمانة ممن كرم في البر والبحر . أيضا الفضيلة هي شجرة تستنبت في أعماق البشر مع بواكير التربية، وترافقهم بقية مراحل الحياة , وليست عصا وصياحاً وإرغاماً وإجباراً طارئاً ومؤقتاً، وهو الأمر الذي نجده يتقاطع مع مانشرته الصحف حول تصريح كل من عضوي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فقد قال الناطق الرسمي لها (بحسب مانشرت الصحف) إن المجتمع سيمتلئ باللقطاء لولا جهود الهيئة, وأي شخص خارجي محايد أو غريب عن خلفيتنا الثقافية سيطلع على هذا التصريح، سيعتقد أن المجتمع السعودي مجموعة من المخلوقات البدائية ليس لها من اهتمام أو هدف سوى أن تنزو ذكورها على إناثها , مجتمع تخلى عن كل أخلاقه ومروءته وأنشطته الخلاقة التنموية، وانشغل بغرائزه . وصرح عضو هيئة آخر في حائل أنه سيغطي عيني أي امرأة فاتنة إذا اقتضى الأمر وبحسب مقدار جمال العينين ( لا أدري ما المقياس هنا؟) , لكن هنا! ماذا عن غض البصر ؟ ماذا عن التعفف؟ ماذا عن احترام المساحة التي تتحرك فيها النساء في الأماكن العامة كأم وزوجة وابنة، وقبل كل هذا كإنسانة وليست (قربة) متحركة مثيرة للغرائز . ما مساحة النشاط الجنسي في حياة المجتمعات, وهل هو طاغ ومستبد إلى الدرجة التي تجعل الأمر بالمعروف يتقيد به والنهي عن المنكر لايغادره , مغفلاً جوانب لامتناهية من الأنشطة البشرية، كالاستئثار والاستحواذ والجشع والاعتداء على المال العام الذي من الممكن أن يرافق النشاط الاقتصادي , والكسل والتأجيل والتسويف وعدم إتقان العمل أو احترام قيمه، والذي ينخر كسوسة في معظم دوائرنا الحكومية , والضحالة والبيروقراطية وضيق الأفق وغياب الابتكار والإبداع في نشاطنا التعليمي والثقافي, وغياب الشفافية والوضوح وقانون من أين لك هذا في الكثير من معاملاتنا القانونية. جميع هذه هي شهوات قد طغت واستبدت ولابد لها من جهاد أكبر يترصد لها ويقعد لها كل مقعد , فهل تنحصر مجاهدة النفس في هذا الكائن المستباح (الجدار القصير) في مجتمعنا والذي يسمى المرأة . (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(سورة آل عمران/ 195. النص الإلهي هنا يقول بعضكم من بعض، فهل لدينا دين أو عقيدة مخالفة للنص المقدس، ودوناً عن عموم مسلمي الأرض؟!