مقدمة بيان الديوان الملكي - التي أعلن فيها عن الوعكة الصحية لخادم الحرمين الشريفين- هي سابقة في تقرير مبدأ الشفافية، والوضوح، وتغذية الانفتاح المسؤول في المجتمع، والاستجابة لأدوات الوعي والتغيير داخل مؤسساته. الملك عبدالله يؤسس في كل الظروف - حتى في وقت المرض- مناخ الشفافية؛ اعتقاداً منه بوعي الجماهير، وتعددية المصادر المتاحة أمامها؛ لاسيما العابرة للحدود منها، والتي لديها أجندة حضور مثقلة بقيم الانتماء للآخر، وتحقيق أهدافه. هذا الرجل النادر الوجود بجزالة عطائه، والوفي بحجم مواقفه، والنقي بصدقه وعدله، لم يتركنا مبهورين فقط أمام مشاهد مادية، أو واجهات تنموية، أو تحركات اقتصادية وسياسية نجح فيها بامتياز، بل منحنا قبل ذلك روح التفاؤل بالتغيير للأفضل، وتجاوز "مخاض الفكر الواحد"، وروح الوصاية المهيمنة عليه منذ عقود، وتركنا نتمدد مع الوعي بقيمة الإنسان الحضارية حينما يدرك أنه يقف مع الآخر بمشترك القيم، والثقافات، والحضارات، ويشعر بقيمة الحوار مع نفسه دون أن يسلبه منه أحد، ويدرك أن التنوير هو سلاح العقل لمواجهة الانغلاق والتشدد.. وهنا، حينما يقرر الشفافية في موقف استثنائي؛ فإن هذا حتماً يمثّل تحفيزاً كبيراً أمام السلطة التنفيذية التي لا يزال بعض أركانها متمسكاً بمبادئ تجاوزها "عبدالله بن عبدالعزيز" نفسه، فهو لم يحجب المعلومة في أوقات الأحداث والأزمات، أو يضلل شعبه بشعارات مزيفة، أو يمرر أرقاماً أو إحصائيات لتغطية عجز ما عن مواجهة الظروف..لا، هو يؤسس لمبدأ مهم ومسلك راقٍ يدفع معه المسؤول ليكون واضحاً وصادقاً مع نفسه، وأميناً في التعبير عن قراراته ومواقفه قولاً وفعلاً، وهو أيضاً يدفع شعبه ليأخذ كلّ واحد منهم موقعه من المسؤولية، والحفاظ على شرف الكلمة، وصيانتها من العبث، دون إساءةٍ لأحد، أو تجريح في ذاته، أو تشكيك في ذمته، بل يكون الانتقاد للعمل ذاته، بما يسهم في تطويره، وتصويب أخطائه. إن الصورة التي يفترض أن يكون عليها المسؤول هي أن يأخذ "شفافية عبدالله بن عبدالعزيز" - وهو يتشافى بإذن الله من مرضه - موجّهاً لفكره قبل ممارسته، ولوعيه قبل قراراته، ورقيباً ذاتياً لتوجهاته، ومحفزاً للتطوير، والتغيير، والتجديد. وحينما ندرك هذه الأهميات لن نجد أنفسنا نتحدث عن مظاهر فساد، أو تجاوزات، بل نحتفي معاً بقيم النزاهة، والعدل، والفرص المتساوية للجميع.