من حيث المبدأ "ما كانت الشفافية في عمل عام وإدارة حكومية إلا زانتها" وهذه الشفافية علاج لكل أمراض الإدارة العامة وتكسبها مناعة ضد أي التباس أو ارتباك أو شبهات فساد، فهي في الحقيقة لا تضر أي مسؤول وليس لها من آثار جانبية على الإطلاق. وهي تشبه الحبة السوداء التي قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنها "دواء لكل داء إلا الموت" وإذا كانت هي المعيار الأكثر نجاحا في أداء مؤسسات الدولة والقطاع العام وحث عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجعلها ميزان العمل العام فهي تصبح المرجعية التي نستطيع تقدير الأمور وفقا لها دون أن نجد أدنى حرج في ذلك، ومعها فوق ذلك موضوعية كاملة حتى لا يشتبه في تحامل على مسؤول أو مؤسسة لأن الهدف النهائي هو المصلحة العامة. وفي سياق الحديث عن الشفافية فإننا أمام حالة الخطوط السعودية نتجاوز مسألة الحجوزات التي لا تتوافر داخليا أو خارجيا، وتأخير الرحلات الذي أصبح ظاهرة سلبية في أداء الناقل الوطني، ولكننا نضطر للعودة رغما عنا الى هاتين الحالتين "الحجوزات وتأخير الرحلات" من واقع مجريات تكدس المعتمرين في مطار الملك عبدالعزيز بجدة وما ترتب على ذلك من مظاهر غاية في السوء تضر بسمعة الخطوط السعودية التي يفترض أنها أحد أكبر وأهم خطوط الطيران العالمية والتي لم تنجح أبدا في مواكبة تطور البلاد وارتقائها الصدارات الاقتصادية العالمية. بعض المسؤولين يعتقدون أنهم من الذكاء بألا يجيب أحدهم على الصحافة حتى لا يثير أي قضية تنطوي على سلبيات، ويرون أن عدم مواجهة الصحافة بالحقائق يعطي انطباعات سيئة على أداء دوائرهم أو مؤسساتهم، والعكس هو الصحيح، فالخطأ وارد في السياق البشري، ومن سوء الظن الاعتقاد بأننا لا نخطئ، وعليه لابد من العودة لمبدأ الشفافية بحسب توجيه ولي الأمر. الأحداث الأخيرة التي تسببت فيها الخطوط السعودية بالفعل "تأخير الرحلات" وتسبب فيها المعتمرون برد الفعل "تجمع وتحطيم مكتب الخطوط في مطار القاهرة والتسبب في أضرار بمطار الملك عبدالعزيز" أظهرت عدم شفافية مع سبق الإصرار والترصد لدى مسؤولي الخطوط السعودية، حيث إننا لم نسمع أي تصريح من أي مسؤول في الخطوط إزاء الأحداث المؤسفة بتعثر سفر آلاف المعتمرين المصريين والجزائريين فور انفجار الموقف لأن المعالجة لحقها التأخير كما هي الحجوزات، ولم نعرف كيف حدث ذلك ومتى سيتم حل المشكلة؟ وبقيت كثير من الأسئلة معلقة بصمت أولئك المسؤولين الذين وضعوا مبدأ الشفافية جانبا وتركونا نهبا للشجب والاستنكار. ولأن غياب الشفافية مرض إداري فلها عدواها التي تنتقل في جسم المؤسسات والإدارات الحكومية، والحال لا يقتصر على الخطوط السعودية وإنما هناك كثير من الإدارات والأجهزة التي تعاني ذات المشكلة والمرض، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لدى أمانة الدمام عشرات المشاريع المتعثرة ولا نعلم عن أسباب تعثرها شيئا ومتى سوف تنتهي تلك المشاريع؟ وما هو السبب الحقيقي في مشكلة الأنفاق؟ وغيرها من الأسئلة التي تحملها رياح عدم الشفافية في ظل صمت المسؤولين ولا مبالاتهم بما يجب توضيحه للرأي العام. مثال آخر.. منذ متى ونحن نسمع عن التأمين الصحي والذي لم يطبق حتى الآن؟ فنحن لا نعلم السبب الحقيقي لوزارة لا تملك طوال أعوام سوى القول بعدم وجود الشركة المناسبة!!! هناك خلل ما في احترافية العمل العام، وليس مسؤولو العلاقات العامة وحدهم الذين بحاجة الى دورات احتراف في التعاطي مع الرأي العام ووسائل الإعلام وتوجيه خطاب إعلامي ناضج يؤسس لعلاقة متوازنة بين المجتمع وأجهزته الحكومية تكون فيه الحقيقة أجمل عنوان لتلك العلاقة، وإنما المسؤولون أنفسهم بحاجة الى مقاربات تعتمد الشفافية في تقديم السلبيات بذات الجرأة في طرح المنجزات، لأننا حينها سنقول للمحسن "أحسنت" وللمخطئ "حسبك" ولكن بدون الشفافية لا يمكن يوما أن نقول "حسبك". بعض المسؤولين يعتقدون أنهم من الذكاء بألا يجيب أحدهم على الصحافة حتى لا يثير أي قضية تنطوي على سلبيات، ويرون أن عدم مواجه الصحافة بالحقائق يعطي انطباعات سيئة على أداء دوائرهم أو مؤسساتهم، والعكس هو الصحيح، فالخطأ وارد في السياق البشري، ومن سوء الظن الاعتقاد بأننا لا نخطئ، وعليه لا بد من العودة لمبدأ الشفافية بحسب توجيه ولي الأمر، خاصة حينما تكون هناك منجزات تشفع للمسؤول أي تقصير غير متعمد أو لم تتم معالجته بالصورة المناسبة، أما أن يتوارى المسؤول بسوءته بعيدا عن الرأي العام فذلك يشخصن العمل العام ويضر به.