لستُ في حاجة إلى ذكر مشاعر المحبة والود التي يكنّها أبناء هذه المملكة لقائد مسيرتهم المليك المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز، فهي ظاهرة للعيان، وبادية لكل إنسان، وأشهر من أن تذكر وأبرز من أن تظهر. حب خالص غرسه الأب الحاني في نفوس أبنائه، من خلال عمل دؤوب بعفوية مطلقة ونفسية محبة للخير تواقة للنقاء للإنسانية جمعاء. لكن الوعكة الصحية التي ألمّت به -رعاه الله- جددت تلك المظاهر وأبرزتها وبخاصة حين ظهوره ليطمئن شعبه أنه بخير وبصحة (أنا بخير مادمتم بخير)، فكانت ملحمة إنسانية بين قائد وشعب يبادلون بعضهم بعضًا حبًّا بحب، وودًّا بود. وبودي أن أقف وقفات مع هذه الوعكة، وذلك اللقاء، وبعض الدروس المستفادة، ومن ذلك: * كانت الشفافية حاضرة عندما أعلن عن المرض الذي تعرّض له، وإظهار ذلك للملأ من باب بث الطمأنينة، وقطعًا للقيل والقال الذي ربما يترتب على ذلك، وإلجامًا لتلك الألسنة الحاسدة الفاسدة التي ربما ذهبت بها الظنون إلى الأسوأ (ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله). * تماشيًا مع ذلك المبدأ، وحرصًا على تسيير الأمور فقد أناب -أيده الله- أخاه الأمير نايف لحضور المناسبات المعتادة في هذه الأيام، وبشكل معلن، ليأخذ الجميع درسًا في الحرص على عدم تعطيل المصالح العامة، وهذه رسالة لكل مسؤول ليعلم أنه في حال تعرضه لأي عارض (سفر أو مرض) فمن المفترض أن يفوّض مَن يقوم بالعمل، فلا تتعطل مصالح الناس. * حديث خادم الحرمين الشريفين العفوي فيه إيحاء للمسؤولين ألاّ يجعل المرء نفسه في بوتقة لا يتحدث إلاّ من خلال أوراق مكتوبة، ونص لا يخرج عنه، بل إن الحديث العفوي أقرب وأطيب للنفس من ذلك الكلام الرسمي، الذي بات السمع يأنفه ولا يألفه. * إدخال السرور على السامع مبدأ راسخ لقادة هذه البلاد، وهو أدب رفيع، فلا بأس من التندر بين ثنايا الكلام، وهو ما جاء على لسان مليكنا عند حديثه عن عرق النسا بقوله: إن النساء لا يأتي منهن إلاّ الخير. * التأكيد على الإخوة، ونداء الحاضرين بهذا اللفظ (أيُّها الإخوة) وتخصيص الشعب السعودي بالشكر وهو الذي يؤكد دومًا أنه فرد من أفراد هذا الشعب، فيه دلالة على التمسك بمبدأ المساواة، وأن الجميع لهم مكانتهم وقدرهم، وهذا ما أكّد عليه المليك مؤخرًا في لقائه مع بعض السفراء. * التواضع الجم بدا واضحًا في اعتذار مليكنا، وبثه الرجاء أن يصفح عنه الحاضرون؛ لأنه لم يقم ليصافحهم فردًا فردًا، وهذا يوحي لكل مسؤول بأن يتواضع، فقائد البلاد على هذا القدر الجم من التواضع، فما بالك لا تفعل مثله؟! إن هذا اللقاء على الرغم من قصره قد حمل في طياته دروسًا كثيرة، ومضامين عدة، لا تتسع المساحة المتاحة لهذه الزاوية باستقصائها، ولكني أحسب أنها ذات قيم غالية، ومبادئ عزيزة، يرجى أن يستخلصها المسؤولون فيحذون حذو قائدهم المفدى، وكتب الله الشفاء العاجل، وأسبغ العافية التامة على مليكنا.