التاريخ يُبنى على عدد كبير من الأحداث الصغيرة والانعطافات البسيطة والاحتمالات غير المتوقعة.. ولفهم هذه الآلية ماعليك سوى تخمين شكل (الحاضر) لو لم تقع بعض الأحداث (في الماضي)!! = فعلى سبيل المثال تخيل شكل العالم (هذه الأيام) لو مات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سن الرضاعة!؟.. تخيل وضعنا الآن لو نجحت قريش في اغتياله شاباً (حين جمعت من كل قبيلة رجلًا يضربه بالسيف ليتفرق دمه بين القبائل).. تخيل نوعية الثقافة التي كنا سنحملها والديانة التي كنا سنعتنقها (حاليا) لو نظر أحد مطارديه داخل غار ثور وشاهده مختبئاً مع أبي بكر الذي قال لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا!! = وعلى نفس السياق تخيل إلى كم قبيلة وإمارة كنا سنفترق لو مات الملك عبدالعزيز في سن الرضاعة (خصوصا أن نسبة الوفيات كانت مرتفعة حين ولد عام 1293ه بدليل وفاة أشقاء وأبناء عمومة ولدوا قبله).. تخيل كيف سيختلف حاضرنا لو استسلم لخوف والده عليه وبقي في الكويت ولم يخرج لفتح الرياض.. = وماذا عن عقبة بن نافع الذي دخل بفرسه مياه المحيط الأطلسي وقال "والله لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضاً لفتحتها".. ماذا لو أبحر فعلًا ووصل إلى أمريكا وأصبح صوت الأذان يرفع هناك قبل وصول الأوربيين بألف عام .. وفي أوربا نفسها ماذا لو لم تتراجع الجيوش الاسلامية في معركة بلاط الشهداء (قرب بواتيه بفرنسا) هل كانت ستصبح أوروبا اليوم أم تتحقق فيها نبوءة رئيس الأساقفة الانجليز: "لو لم يهزم العرب في بواتيه لرأيتم القرآن يتلى ويفسر في كامبرديج وأكسفورد" !! = وماذا عن أدولف هتلر الذي أشعل الحرب العالمية الثانية وتسبب في قتل 55 مليون انسان .. تخيل لو استمعت والدته لنصيحة الطبيب وأجهضته أثناء حملها به.. تخيل لو حقق حلمه بدخول كلية الفنون النمساوية (كما كان يرغب) أو نجحت عملية اغتياله في خريف 1944.. تخيل إمكانية عيش ملايين البشر لو لم يخرج فقط للتبول (حين كان عريفاً في الحرب العالمية الأولى) ومات مع زملائه في الخندق الذي دمرته قذيفة فرنسية.. بل تخيل خارطة العالم (هذه الأيام) لو انتصر في الحرب الثانية ولم تصبح أمريكا دولة عظمى، ولم تُغتصب فلسطين لاحتواء يهود أوربا !! ... وفي الحقيقة ؛ لك أن تتخيل مئات الوقائع الصغيرة التي كانت ستغير التاريخ ب(180درجة) فيما لو انحرفت هي (بربع درجة فقط).. غير أن مشكلة الإنسان بطبيعة الحال هي عدم علمه بالغيب أو تصوره للنتائج العظيمة التي قد تترتب على الأحداث العادية والصغيرة !! *** *** *** ... هناك حادثة واحدة فقط خالفت مسار التاريخ ووقعت (بطريقة معاكسة) يصعب تكرارها.. حكاية موسى مع الخضر عليه السلام حين سار معه «حتى إذا لقيا غلاما فقتله» فذهل من بشاعة الفعل وقال «أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا».. غير أن الخضر كان كما ذكرت كتب التفسير يملك علماً من الله بأن الطفل سينشأ كافرًا وقال: كرهت أن يحمل حبّه والديه المؤمنين على أن يتبعاه على كفره فأمرني الله بقتله باعتبار ماسيئول إليه أمره.. ولك أن تتخيل لو لم يقتل الخضر هذا الطفل فنشأ ظالما كافرا أو قائدا قاسيا يشعل الحروب ويزهق الأرواح كما فعل أطفال قبله كانوا يدعون ذات يوم"نابليون" و"هتلر" و"جنكيز" و"صدام حسين"... صدام الذي سمعت مواطنا عراقيا يدعو عليه في قناة الCNN: ياليته غرق مع أمه في دجلة قبل ما يقتل شبابنا في إيران والكويت...