في كل يوم نقف حائرين بين اتخاذ قرارات متقاربة جدا.. جدا.. جدا.. وقرارات كهذه قد نضطر لاتخاذها قبل حتى أن نستيقظ من النوم (ونغسل وجوهنا). فكم مرة مثلا استيقظت من النوم متعباً واحترت: هل تذهب أو لا تذهب إلى العمل؟ وبعد ان قررت الذهاب (في آخر لحظة) كان عليك ان تتخذ قراراً جديداً: ماذا أشرب كوباً من الشاي او النسكافيه؟.. وايضاً بفارق ضئيل اخترت الشاي! في كلتا الحالتين كان الخياران متاحين (ومتقاربين جداً) لدرجة تشعر ان شيئا لا يمنعك من تنفيذ أحدهما - أو ربما اتخاذ قرار ثالث.. بعدم فعل أيهما..!! ولكن هذا الفارق الضئيل بين الارادتين (وبين ان نفعل أو لا نفعل) قد يغير حياة الناس وينعطف بالتاريخ إلى وجهة مختلفة تماماً؛ وأذكر أنني كتبت مقالا عن هذه الجزئية بالذات بعنوان (ماذا لو انحرف التاريخ بربع درجة فقط) ضربت فيه مثلا بالملك عبدالعزيز حين كان شاباً في الكويت تتنازعه قوتان: الاولى استعادة الرياض، والثانية الرضوخ لرغبة والده (الذي كان يعارض الفكرة خوفاً عليه).. وبالتأكيد كانت هناك لحظة صغيرة وفرق ضئيل بين ان يفعل أو لا يفعل، ولكن حين مال للرأي الاول نشأت دولة وتبلور شعب وكتب تاريخ! وحين ننظر إلى احداث التاريخ كلها نجد هذا الفارق الضئيل بين الارادتين والاختيار من بين قرارين متوازيين؛ فنابليون مثلاً كان فتى ايطاليا قبل ان تنضم كوريسيكا إلى فرنسا. وفي (آخر لحظة) قرر دخول الكلية الحربية في باريس بدل العيش مع والديه كمزارع. ولأنه اختار الذهاب إلى باريس اصبح امبراطوراً وتوج اخوته على عروش اوروبا وتحولت والدته من "مربية دجاج" إلى أم لاثني عشر ملكاً. أما هتلر فنشأ يعشق الرسم وكان يأمل في ان يصبح رساماً مشهوراً. ولكن موهبته المتدنية جعلته (في آخر لحظة) يتخلى عن هذا الحلم ويشعل حرباً قتلت 55 مليون إنسان!! وتوفر إرادتين واحتمالين متقاربين (جدا جدا جدا) يقودنا إلى تساؤلات عجيبة مثل: ماذا لو ظل الملك عبدالعزيز في الكويت؟.. ماذا لو نشأ نابليون مزارعا؟.. ماذا لو اصبح هتلر رساماً؟.. تخيل وجود توأم لهؤلاء العظماء (يعيشون في كوكب آخر) اتخذوا القرار الثاني فكيف سيتشكل التاريخ فوقها يا ترى!؟ هذا التصور الغريب جعل بعض المفكرين يفترضون وجود اكوان متشابهة تضم (نسخ متشابهة من البشر) كل منهم يتخذ قرارا ممكناً؛ فأنت مثلاً اخترت الذهاب للعمل ولكن توأمك على الكوكب الآخر فضل النوم، وهتلر قرر الانخراط في السياسة ولكن توأمه اختار الرسم.. وحين يتشعب الاختيار إلى خمسة أو عشرة (أو حتى مليون) نتوقع وجود خمسة أو عشرة أو حتى مليون نسخة من الكواكب الأرضية المتماثلة!! وبطبيعة الحال لا يوجد دليل على فكرة الاكوان البديلة (باستثناء بعض الفرضيات الفيزيائية) وفي المقابل - وارجو ان تستعد لهذا - توجد آيات وأحاديث كثيرة تؤيدها. وكي لا أكرر ما قلته سابقا بخصوص الكواكب المأهولة أذكركم فقط بابن عباس الذي سئل عن تفسير قوله تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن) فقال: هي سبع اراضين في كل ارض نبي كنبيكم وآدم كآدم وإبراهيم كإبراهيم ونوح كنوح وعيسى كعيسى "ذكره ابن كثير، والبيهقي في الاسماء والصفات"!!