"كانت أجمل رحلة قمت بها في حياتي على الإطلاق"، " قضينا أياما وليالي ساحرة...وأطفالي حزينون لانتهاء الرحلة" ، " استمتعت كثيراً بوقتي وسأعود إليها في العام القادم بكل تأكيد". قد تبدو تلك الكلمات لبعض السياح الذين عادوا من رحلة في أوروبا الخضراء أو جزر الكاريبي ذات الشواطئ الساحرة، ولكنها كانت كلمات لبعض المقيمين الغربيين في المملكة العربية السعودية الذين قضوا قرابة الأسبوع في صحراء الربع الخالي! خلق الله عز وجل هذه الأرض وأوجد لها تضاريس وأجواء تميز بقاعها مما يثير شغف الكثير لاكتشاف خفاياها والاستمتاع بجمالها. جبال الهملايا في الهند، وكلمنجارو في تنزانيا، والقطب المتجمد الشمالي، كلها تشترك في قساوة بيئتها وتضاريسها، إلا أنها تعد وجهات عالمية للملايين من محبي الطبيعة والمغامرة والاكتشاف. وصحراء الربع الخالي لا تقل سحراً وجمالاُ لتكون وجهة سياحية يقصدها السياح من أقطاب الأرض. من يقرأ في مذكرات الرحالة البريطاني وليفرد ثيسجر عن رحلاته التي قطع خلالها صحراء الربع الخالي سيجد وصفاً ساحراً وجميلاً لتلك الصحراء. صادف وليفرد ثيسجر المخاطر في رحلته وتعرض للموت عدة مرات، إلا انه يصف هدوء وسكون الصحراء بأجمل من حياة الصخب في مدينة لندن التي تحيط بها الحدائق والغابات. لدينا ثروات بيئية غنية تشمل الصحارى الشاسعة ذات الرمال الذهبية والجبال الخضراء الشاهقة والشواطىء ذات الشعب المرجانية الفريدة مما يؤهل المملكة لتقديم منتجات سياحية منافسة وجذابة في مجال السياحة البيئية. كما أن لدينا نسبة كبيرة من المواطنين والمقيمين وخصوصا من مواطني الدول الغربية الذين يتوقون للقيام برحلات إلى الربع الخالي على سبيل المثال. لكن للأسف، فإن الرحلات إلى الصحراء تكون في معظمها ذات تنظيم شخصي محفوف بالمخاطر كالضياع أو تعطل السيارة أو نقص الوقود والماء. كم سيكون رائعاً لو تم تنظيم برامج سياحية متكاملة لاكتشاف الصحراء توفر كل مايحتاجه السائح فيما يتعلق بأمور التنقل والإقامة والمؤن. فعلى سبيل المثال، قد يكون التنقل برفقة مرشدين سياحيين في سيارات الدفع الرباعي يقودها سائقون مهرة، يتخللها استراحات لإعداد القهوة العربية ووجبات الطعام حسب الطرق الشعبية. أما بالنسبة للإقامة، فكم سيكون رائعاً أن يجد السائح مخيماً متكاملاً لقضاء ليالي ساحرة تحت ضوء القمر ومشاهدة النجوم التي يستحيل رؤيتها في المدن الكبيرة ذات الصخب والضجيج. أما للمغامرين من عشاق العودة إلى الماضي ومحاكاة الرحالة القدامى، فليس هناك أروع من المشاركة في رحلة منظمة على ظهر الجمال لتكون ذكرى جميلة لا تنسى. ما نأمله من هيئة السياحة هو ان يتم تبنى إستراتيجية خاصة بالسياحة البيئية في المملكة ووضع الأنظمة والمقاييس العالية التي من شأنها تحفيز السياحة البيئية واستقطاب السياح على المستويين المحلي والدولي. حتى ذلك الوقت، من الضروري إيقاف انتهاك حرمة المناطق البيئية القيمة مثل قطع الأشجار وصيد الحيوانات البرية ورمي المخلفات. من المهم أيضا رفع الوعي العام وجذب صانعي القرار ورجال الأعمال للاستثمار في مجال السياحة البيئية والترويج للسياحة المستدامة والتنسيق والتعاون داخل الأجهزة الحكومية والهيئات المختصة.