كثير من الرجال يتمنى الوصول لسن التقاعد، وأحياناً يسعى للتقاعد المبكر من العمل هدفاً للراحة الجسمية والنفسية، وفي المقابل نجد بعض الزوجات يخفن ويتكبلن بالهم والكدر لتقاعد زوجها، لما ينتج عن هذا التقاعد من مشاكل وخلافات زوجية ترجع معظم الزوجات سببها إلى فراغ أزواجهم، فمنهن من تتمنى أنّ زوجها لم يتقاعد، ومنهن مَن تدعي بالعون لكل السيدات اللاتي سيتقاعد أزواجهن في الفترة القريبة، وفي "التحقيق" التالي نتناول أبرز الهموم التي تحملها الزوجه لتقاعد زوجها، وكيف يمكن الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟. زعل متكرر في البداية تروي السيدة "فاطمة محمد" حالة زوجها المملة بعد التقاعد، قائلةً: "زوجي كان مديراً في إحدى الشركات الكبرى، ومنذ تقاعده قبل خمس سنوات، ونحن في خلافات مستمرة؛ لأنه لم يدخل في مشروع، أو أي عمل آخر بعد تقاعده، وأصبح يتدخل في جميع أمور المنزل صغيرها وكبيرها، بسبب وقت الفراغ الذي يعيشه في البيت، خاصةً وأنّه لايخرج إلا عند شراء مستلزمات المنزل، والعودة بعدها"، مشيرةً إلى "زعله" المتكرر، خاصةً عند خروجها من المنزل لزيارة أقاربها، وكأنه يغار من خروجها، وبقائه في المنزل. فاطمة: خلافات مستمرة خبرة مهمشة وتشاطرها الرأي السيدة "حصه راشد" -خمسينية- تعاني من معضلة تقاعد الزوج وبقائه في المنزل مرددةً في بداية حديثها "صبرٌ جميل والله المستعان على التقاعد "، وترجو العَون لكل سيدة زوجها قريب من التقاعد، قائلةً: "لم أتخيّل يوماً أنّ فترة تقاعد زوجي هي أصعب فترة على حياتنا الزوجية، فمنذ تقاعده قبل سبع سنوات؛ إنقلب حاله رأساً على عقب، فهناك أمور تافهة وبسيطة لم يكن يتدخل بها أصبح يراقبها ومن المهتمين بها، ويسأل عن كل شيء في المنزل بلا ملل أو كلل"، وأضافت: في إحدى المناسبات شجعته على الاستثمار في أي مشروع صغير أومكتب عقار على الأقل، فأجابني: لا أملك أي مبلغ فائض بعد تقاعدي سوى مايسدُّ حاجتنا كأُسرة، حينها حزنتُ لوضعه لعدم استفادته بعد تقاعده، رغم الخبرات والمعلومات التي يتمتع بها في شؤون الصيانة والكهرباء. كآبة التقاعد بينما تؤكد السيدة "زهرة عبدالمحسن" أنّ التقاعد يُغيِّر نفسية الرجل بشكل كبير، قائلةً: "زوجي أصبح كئيباً وعصبياً جداً، لدرجة أنّي الآن أنصحه باللجوء إلى الطبيب النفسي بسبب مايعيشه من توتر، خاصةً وأنه منذ عامين -أي منذ تقاعده- وهو يعيش على نفس برنامجه قبل التقاعد فيستيقظ في الساعة السادسة صباحاً ويقرأ الصحف ويشاهد الأخبار بعدها، وهكذا يومياً يعيش الروتين نفسه وكأنّ التقاعد شقاء ليس راحة". حصة: فترة مملة كسل وتقشف مالي ولاحظت "لولوة سعد" -أم عادل- أنّ زوجها منذ تقاعده بدأ يُهمل في ترتيب نفسه وثيابه، مع العلم أنّه قبل التقاعد كان يهتم بمظهره ونظافة ثيابه، وتؤكد بأنّه منذ تقاعده والمشاكل بينهما تزداد يوماً بعد يوم، فأصبح يمارس سلطته وشخصيته في عمله السابق في المنزل، فلا يقبل بأي خطأ من الممكن أن يرتكبه الأطفال، وكل الأمور لاتنفذ إلا بعد موافقته ورضاه، مما جلب التعب لزوجته، متمنيةً لو أنه لم يتقاعد.وتحكي"خديجة عبدالحميد" أبرز الأمور التي طرأت على زوجها عند تقاعده، ومن ذلك زيادة حرصه المالي لدرجة التقشف، مما نتج عنه ارتفاع الخلافات بينهما، وأصبح يشعر بالحرص على المبالغ المادية بالدرجة الأولى، ويسأل عن كل مبلغ تطلبه منه -وإن كان بسيطا-، والشيء المؤلم بالنسبة لها أنه في السابق وقبل تقاعده لم يكن بهذا الحرص المادي. لجنة أو مركز في كل حي وحول هذا الموضوع الاجتماعي، أكدت الأخصائية الاجتماعية "نهى السبيعي" أنّ المتقاعدين من الرجال والنساء، يشعرون بضيق داخلي عند تقاعدهم حتى وإن كانوا يسعون للتقاعد المبكر أو غيره، قائلةً: "الأمر ليس بالسهل عندما يعتاد الإنسان على مواظبة العمل، ثم يجلس بلا عمل أو وظيفه، فالأفضل أن يجد الرجل بديلاً للعمل طالما يتمتع بصحة جيدة كما هو حال بعض المتقاعدين في مجتمعنا، الذين يعملون في مكاتب عقارية أو مقاولات لملء وقت فراغهم بما يُسليهم ويُبعد عنهم حالات الملل والاضطرابات النفسية". زهرة: أجواء كئيبة ودعَت إلى إنشاء لجنة أو مركز في كل حي من أحياء المنطقة يضم المتقاعدين، بحيث يكون هناك اجتماع دوري بينهم يُشعرهم أنّ مجتمعهم لايزال بحاجتهم للاستفادة من خبراتهم، والاستعانة بهم بشكل فعلي، ومشاركتهم أنشطة اجتماعية، وبهذا الأمر يكون وضعهم أفضل بكثير من بقائهم في منازلهم دون عمل، ومن الممكن أن تثمر اجتماعاتهم فيما بينهم على إنجاز مشروع متكامل الخبرات والمعلومات. وعن سبب الخلافات الاجتماعية والزوجية للمتقاعدين مع زوجاتهم، قالت "نهى السبيعي":"ليس السبب فقط فراغ الزوج أو بقاءه في المنزل، بل لأنّ المرحلة العمرية التي يصل الرجال والسيدات لها في سن التقاعد، تتشكل فيها متغيرات نفسية مصاحبة للعمر الذي وصل إليه الرجل، والتي تكون أغلبها الحساسية المفرطة والعصبية لأبسط الأمور وتقلبات المزاج"، مناشدةً صناديق التمويل في مجتمعنا إلى تبني هذه الفئة الغالية على مجتمعنا، وتمويلهم تحت برنامج معين يضم المتقاعدين فقط.