كثير من الرجال يتمنى الوصول لسن التقاعد، وأحيانًا يسعى للتقاعد المبكر من العمل هدفًا للراحة الجسمية والنفسية، وفي المقابل نجد بعض الزوجات يخفن ويصبن بالهمّ والكدر لتقاعد زوجها، لما ينتج عن هذا التقاعد من مشكلات وخلافات زوجية ترجع معظم الزوجات سببها إلى فراغ أزواجهن، فمنهن مَن تتمنى أنّ زوجها لم يتقاعد، ومنهن مَن تدّعي بالعون لكل السيدات اللاتي سيتقاعد أزواجهن في الفترة القريبة، وفي مقالي هذا أحببت أن أبين أن أهم علاقة يلحقها الاضطراب في حياة بعض الزوجين بعد توقفهم عن العمل هي العلاقة الزوجية، فقد تكون نسبة عدم التوافق بين الزوجين في مرحلة شبابهما ورشدهما قليلة الحدّة لانشغال كل منهما بوظيفته، فالمرأة تكون منهمكة في أغلب الأوقات بأداء واجباتها المنزلية، وتوفير متطلبات أبنائها، وشريك حياتها، أمّا الزوج فتجده في معظم الأحيان منشغلاً بعمله خارج المنزل، لكن بمجرد تقاعد الزوجين عن هذه الوظائف الاجتماعية يصبح لديهما متسع من الوقت للاحتكاك ببعضهما البعض فيشتد الانفعال في العلاقة بين بعض الأزواج، ويكثر عدم التفاهم بينهما إلى درجة عالية من الحدّة قد تصل أحيانًا إلى حد الطلاق. إن الزوجين في مثل هذا الحال ينسيان فورًا ما كان بينهما من مودة وعشرة، وما حققاه من انجازات لسنوات طويلة، حيث أنعم الله عليهما بالمسكن، والمأكل، والمشرب، والملبس، والمركب، والذرية الطيبة، وصدق الله تعالى حين قال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، فالمفروض أن يُقبل الزوجان على شكر الله وحمده حمدًا عمليًّا على ما متعهما به من ثمار الحياة الأسرية، بأن يستمرا في التمسك بحبل الله، وهو الزواج، ولا يتفرّقا عنه عبر الشقاق والخلاف. ولذلك لا نجعل لكلمة التقاعد طريقًا لنشوب ذلك الخلاف، وخاصةً أن تأسيس الأسرة على قواعد دينية هو السبيل الوحيد لضمان البقاء والاستمرارية للخلية الأسرية في الدنيا والآخرة لتمتد حتى آخر أيام العمر، وهي اللحظات التي يكون فيها الزوجان في أمسّ الحاجة لبعضهما البعض، خصوصًا وأن الأبناء يكونون في قمة انشغالهم بآداء مسؤوليات جيلهم الصاعد. وأخيرًا مذكرًا إخواني المتقاعدين بأن اهتمام الموظف المقبل على التقاعد وتخطيطه لتقاعده أمر مهم، فترك الوقت يمر دون وضع تخطيط وإستراتيجية معينة قد يفاقم الوضع، وقد تكون القراءة أو الرياضة أو الانضمام للأندية الثقافية أو القيام بأمور خيرية حلاً لمن حرمه العمل من القيام أثناء عمله السابق، ولكن هذا الحل جزئي نسبيًّا فهذا يشغل وقت الفراغ. ولكنه لا يبخل بخبراته وطاقاته المخزونة، وقد يكون مرجعًا للآخرين في نفس مجال عمله. عبدالرحمن منشي - رابغ