عمال محطات الوقود في لبنان يعملون في ظروف صعبة، يقول بعضهم بأنها «بهدلة»، يتقاضى العامل في المحطة أجرا لا يتجاوز 300 دولار أمريكي في الشهر مقابل 15 ساعة عمل في اليوم الواحد، في بلد ترتفع فيه أسعار كل شيء بطريقة جنونية. ويستخدم أصحاب محطات الوقود في لبنان عمالا أجانب قادمين من بلدان ينخفض فيها الحد الأدنى للأجور، لأن العمال اللبنانيين لا يوافقون على شروط العمل المعروضة، بينما يحرم العمال الأجانب أنفسهم من ملذات الطعام أحيانا، ويعتمدون في مصروفهم على «البقشيش» لتوفير أجرهم وإرساله إلى بلدانهم . ويتعرض عمال محطات الوقود أحيانا لأنواع من المعاملة السيئة، تتراوح بين السخرية والشتائم، لكنهم يتابعون عملهم لأن أي مواجهة سوف تفقدهم عملهم، وإن كانوا على حق. وقال خليل الملاح صاحب محطة مترو للوقود في منطقة جبل لبنان: «ما يهمني من الموظف هو أن يكون شديد الأمانة والتهذيب مع الزبائن وخاصة النساء». وأضاف الملاح :» هناك صعوبة كبيرة للعثور على موظف لبناني، فاللبناني لا يرضى بالحد الأدنى للأجور لأنه يعتبره غير كاف وهو فعلا غير كاف، ثم إن اللبناني مطالبة كثيرة، ولكن الموظف الأجنبي يرضى بهذا الأجر لأنه يستفيد من فرق العملة». وتابع الملاح «أقوم بتأمين السكن داخل المحطة، والضمان الإجتماعي، و300 دولار أمريكي في الشهر،للعامل، كما أني أفضل العامل البنغلادشي على العربي لأنه مهذب جدا وخاصة مع السيدات، وأمين جدا أيضا «. وقال شفعت وللو العامل على محطة مترو بنغلاديشي الجنسية :» رب العمل يعاملنا بالحسنى، وقبل مجيئي كنت قد تعرضت للضرب من قبل رب العمل السابق فقررت الانتقال بعد أن نصحني أصدقائي «. أضاف وللو:»عندما أنهي عملي، التاسعة ليلا، أتناول الطعام، ثم أصلي، وأشاهد التلفاز ومن ثم أنام، أنا سعيد في عملي». وتابع وللو :»أحصل على إجازة كل 15 يوما هي عبارة عن يوم واحد، أستطيع خلاله مغادرة المحطة والذهاب للقاء رفاقي وأصحابي ومعظمهم من أبناء بلدي «. ويتعرض عمال محطات الوقود لسوء المعاملة أحيانا من قبل الزبائن أو من قبل أرباب العمل، لكنهم يتحملون، من أجل تحصيل لقمة العيش . وقال شربل صاحب محطة وقود في منطقة المتن الشمالي، فضل عدم ذكر اسمه كاملا، :» يتعرض عمال المحطة للمعاملة السيئة أحيانا التي تنطوي على شيء من العنصرية من قبل بعض الزبائن كأن تقوم إحدى السيدات مثلا بمسح مفتاح السيارة الذي سلمته للعامل من أجل ملء خزان الوقود، قبل أن تستخدمه من جديد، أو تصرخ أحداهن باشمئزاز لا تلمس السيارة، ولكني أنصحهم بضرورة الصبر والمحافظة على مورد رزقهم». وتقوم بعض مؤسسات المجتمع المدني بتوعية اللبنانيين على ضرورة حماية حقوق العمال الأجانب، من خلال حملات تهدف لنشر الوعي على المستوى الوطني لإيقاف الانتهاكات التي تطال حقوق العمال المهاجرين. وقال عامل مصري يعمل في إحدى محطات الوقود في جبل لبنان : «أتيت إلى لبنان بواسطة التهريب عن طريق مجموعة مصرية أوصلتني إلى مطار دمشق وهناك استلمتني مجموعة أخرى أوصلتني إلى دمشق، وسلموني لمجموعة ثالثة أوصلتني إلى الحدود اللبنانية السورية، بعد رحلة استمرت ساعات من المشي والتعب والشقاء، حيث كانت مجموعة رابعة تنتظر لتوصيلي إلى مكان العمل «. وينص قانون العمل اللبناني الخاص بالأجانب على ضرورة أن يحصل كل أجنبي يرغب في الدخول الى لبنان لتعاطي مهنة أو عمل، بأجر أو بدون أجر، على موافقة مسبقة من وزارة العمل قبل مجيئه إليه. وأضاف العامل المصري، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا مما قد يتعرض له من أذى، :»أمضيت في لبنان سنة وأربعة أشهر ومازلت أسدد تكاليف الرحلة من مصر إلى لبنان، التي بلغت 4500 دولار أمريكي «. وقال «أنا هنا لأني لم أجد في بلدي عملا أستطيع من خلاله تأمين مستقبل لي « ووصف سيد عمله في المحطة بأنه «بهدلة». وتابع بالقول « الراتب الذي أتقاضاه قليل جدا بالنسبة لساعات العمل، نحن نعمل 15 ساعة يوميا من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة التاسعة مساء، دون أن تكون لنا ساعة راحة خلال النهار لنأكل فيها أو نرتاح»، مضيفا «هذه بهدلة»، وقال «ليتني ما تركت بلدي» . وحدد قانون العمل اللبناني في المادة 31 منه الحد الأعلى لساعات العمل ب 48 ساعة في الأسبوع ولم يتطرق الى تحديدها في اليوم . وقال العامل المصري :»يلاحقنا صاحب العمل طيلة النهار، لا يسمح لنا بالتأخر ربع ساعة عن دوام العمل الطويل،، الذي يبدأ في السادسة صباحا، وهو يراقب أداءنا بواسطة كاميرات زرعها في المحطة وفي الغرف التي نقيم فيها، وحينما يجد أحدنا دون عمل يكلفه بالقيام بأي شيء،المهم أن يرانا نعمل، وإذا تأخر أحدنا أو قصر بعمله انهال عليه بالسباب والكلام البذيء «. وتشير الإحصاءات إلى وجود حوالي 40 ألف عامل مصري في لبنان، الأغلبية الساحقة منهم تعمل في محطات الوقود . وأوضح العامل المصري :» يكفل رب العمل العمال، طالما يعملون لديه وعند انتهاء العمل لسبب او لآخر، يبلغ رب العمل الأمن العام أنه لم يعد يكفل هذا العامل أو ذاك، ويصبح العامل عرضة للملاحقة من قبل الأمن العام «. ويخضع عمال محطات الوقود في لبنان لنظام الكفيل كغيرهم من الفئات العمالية المهمشة، بعضهم يعمل بالفعل عند كفيله في محطات الوقود أو غيرها، وبعضهم الآخر «يستأجر» كفيلا لبنانيا. وقال إبراهيم إبراهيم محمد (مصري الجنسية) ويعمل في محطة وقود :» طبيعة العمل تسمح لنا بنسج العديد من العلاقات الإجتماعية، وقد تعلمت من خلاله احترام الناس «. وأضاف محمد «الشعب اللبناني شعب محترم ويعاملنا بشكل جيد وإذا حصل أن ضايقنا أحد الزبائن، فذلك بسبب علة فينا «. وشكا محمد الذي دخل إلى لبنان بطريقة «التهريب» من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في لبنان، «ولكننا نعتمد على البقشيش «. وتسعى وزارة العمل اللبنانية لحل المشاكل العالقة بالنسبة للمصريين الذين يدخلون خلسة إلى لبنان و تسوية أوضاعهم . وإذا كان استخدام الأجانب في لبنان لا يزال بعيدا عن الإلتزام بالمواثيق الدولية الخاصة بقوانين العمل،بطريقة تشوه صورة «سويسرا الشرق»،ولكن الأمل يبقى كبيرا في أن تتوصل الجهود التي يبذلها المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية لتغيير هذا الواقع .