لنخرج بعيداً عن الدائرة.... التي بدأت تضيق علينا وبنا! في طابور صباحي في ذلك الزمن البعيد كنتَ تقف مع زملائك لتقوموا ببعض التمارين الرياضية تتنفس بصوت عال وكأنك تريد أن تجمع هواء الدنيا في رئتيك، تشعر بعدها أنك نشيط مستيقظ وذهنك أكثر صفاء. والآن في كل صباح تحرص أن تجعل نافذة السيارة مفتوحة ولو لدقائق قليلة قبل أن تعود إلى جو السيارة المكيف المعزول، فأنت تريد أن تستنشق هواء طبيعيا ولو لثوان معدودة. وأنت قد تهرب من جدران بيتك إلى "البر" لأنك تريد أن ترى مساحة واسعد بامتداد الأفق، فعيناك تعبتا من الأنوار المضيئة ومن الجدران التي تحيط بك فحتى عينك تريد أن تتنفس، تريد أن تنتعش. وأنت أيضا قد تحمل حقيبتك وتهرب في إجازة ولو قصيرة لأن كل ما فيك يريد أن يتنفس أن يبتعد عن كل الضغوطات اليومية. حتى خلايا عقلك تحتاج أن تتنفس هواء نقيا تريد أن تخرج من روتينها أحيانا، لذلك فإنك قد تشغلها بسطور كتاب تلتهم صفحاته أو رواية تتأملها بهدوء أو ديوان شعر تتراقص مع أبياته. أو قد تجدها مهتمة بمتابعة عمل فني سينمائي أو مسرحي أو تلفزيوني فيه شيء من التسلية وكثير من الصورة الفنية المعبرة حوارا و تمثيلا وإخراجا. أو ربما تفضل أن تطالع لوحات فنية منثورة هنا وهناك تمثل تاريخا فنيا لحقبة ما تعرفها بتاريخها وأحداثها وتفاصيلها أو حتى تترجم أفكار فنان معاصر. قد تحتاج أن تخرج من جفافك واختناقك العقلي إلى ما يحرك هذا العقل بعيدا عن معادلات الحياة اليومية والعمل الروتيني وتوقيع الحضور والانصراف وديبلوماسية الاجتماعات المهنية التي تمسك فيها أعصابك المشدودة وتقارير العمل اليومية وحسابات الفواتير ومواعيد الاطباء وأقساط السيارة وإيجار المنزل! تجد نفسك بعدها منتعشا، كل شيء فيك مختلف، خرجت من حالة الكسل والركود الذهني والنوم العقلي والغيبوبة الثقافية إلى عالم متحرك. تكتشف في نفسك أشياء مختلفة كانت تتوارى داخلك في خجل. لذلك حاول أن تتنفس!