يلقي الناقد جابر عصفور الضوء في كتابه الجديد (رؤى العالم.. عن تأسيس الحداثة العربية في الشعر) والصادر عن المركز الثقافي العربي إلى مصطلح (رؤية العالم) الذي يعد من المصطلحات النقدية الحديثة والتي شاعت في العقود الأخيرة، وذلك في مدى تأثرنا بالنقد الأورو - أمريكي ومصطلحاته، مؤكداً ما يدعم استخدامه في ميراثنا البلاغي والنقدي، ويدور هذا المصطلح في ثلاث دوائر من الدلالة، أولها الدلالة الحسية التي تشير إليها (رؤية العالم) مؤكدة الرؤية البصرية، أما الدائرة الثانية فهي الدائرة المجازية للرؤية وذلك على النقيض من الدلالات الحسية، وتأتي الدائرة الأخيرة فهي التي تنتقل فيها الدلالة من المجازي إلى الروحي ومن الوعي إلى اللاوعي. ومن هنا نجد الدائرتين الدلاليتين الثانية والثالثة تقعان موقعاً يجعلهما أقرب إلى الثنائية الضدية كما يرى المؤلف. أما فحوى الكتاب فقد رأى فيه الدكتور عصفور أنه وجد مدخل دراسة رمزية الليل في شعر نازك الملائكة هو الأقرب إلى روحها الرومانتيكية، كما وجد أن تحليل الجوانب المتعددة من ديوان صلاح عبدالصبور (الناس في بلادي) وما ينطوي عليه من بدايات لما تجسد كياناً متكاملاً لا يخلو من التنوع الخلاق بعد ذلك عبر مسيرته، هو المدخل الأنسب وذلك بالقدر الذي رأيت في قناع (مهيار الدمشقي) رمزاً مركزياً لا يزال قادراً على تفسير رؤيا العالم عند أدونيس حتى في الدواوين الأخيرة، ومثل الأمر نفسه الشاعر محمد الماغوط الذي لا يمكن تجاهل تأسيس قصيدة النثر في إنجازه الذي يظل استثنائياً ورائداً، كما يسلط الضوء في دراسة مستفيضة على تجربة أحمد عبدالمعطي حجازي الشعرية بعنوان (السفر في منتصف الوقت)، ويختتم جابر عصفور هذا الكتاب بفصل هام عن معنى الحداثة متوقفاً عند دلالة الاصطلاح وتمايزات ورسالة الشاعر المحدث وصدار الدال وصياغته ووعي المابين وأولوية السؤال وملاحظات حول الحداثة.